للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقْرَارِهِ، أَوْ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ أَوْ رِجْلَهُ عَمْدًا اقْتَصَصْت مِنْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُقْتَصُّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِمَمْلُوكٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى مَمْلُوكٍ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَأُعْتِقَ أَلْزَمْته الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْحُرَّ فِي خَصْلَةِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ مَالٍ أَلْزَمْته إيَّاهُ نَفْسَهُ إذَا أُعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارٍ كَمَا يُقِرُّ الرَّجُلُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَأَجْعَلُهَا فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ تَلْزَمُ عُنُقَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ أَلْزَمْت سَيِّدَهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى وَالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَحَالَ بِعِتْقِهِ دُونَ بَيْعِهِ.

إقْرَارُ الصَّبِيِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَا أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقٍّ فِي مَالِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَذِنَ لَهُ بِهِ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ مَنْ كَانَ أَوْ حَاكِمٌ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ أَجَزْت إقْرَارَهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَجَزْت أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَأُلْزِمُهُ أَوْ يَأْمُرُهُ فَيَقْذِفُ رَجُلًا فَأَحُدُّهُ أَوْ يَجْرَحُ فَأَقْتَصُّ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا وَمَا يُشْبِهُهُ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ إقْرَارِهِ لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ، وَأَمْرُ أَبِيهِ فِي التِّجَارَةِ لَيْسَ بِإِذْنٍ بِالْإِقْرَارِ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ بِحَالٍ.

الْإِكْرَاهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} الْآيَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ، وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ فَلَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُ سَقَطَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ حُكْمُهُ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْإِكْرَاهُ أَنْ يَصِيرَ الرَّجُلُ فِي يَدَيْ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيَكُونُ الْمُكْرَهُ يَخَافُ خَوْفًا عَلَيْهِ دَلَالَةٌ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ قَوْلِ مَا أُمِرَ بِهِ يَبْلُغُ بِهِ الضَّرْبُ الْمُؤْلِمُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ إتْلَافُ نَفْسِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا خَافَ هَذَا سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ مَا كَانَ الْقَوْلُ شِرَاءً أَوْ بَيْعًا أَوْ إقْرَارًا لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَوْ حَدٍّ أَوْ إقْرَارًا بِنِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ إحْدَاثِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَهُوَ مُكْرَهٌ فَأَيُّ هَذَا أَحْدَثَ وَهُوَ مُكْرَهٌ لَمْ يَلْزَمْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت لَمْ يَسْعَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ غَيْرَ خَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَلْزَمْته حُكْمَهُ كُلَّهُ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أَوْ قُيِّدَ فَخَافَ طُولَ الْقَيْدِ أَوْ أُوعِدَ فَخَافَ أَنْ يُوقِعَ بِهِ مِنْ الْوَعِيدِ بَعْضَ مَا وَصَفْت أَنَّ الْإِكْرَاهَ سَاقِطٌ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا لَهُ حُكْمٌ فَأَقَرَّ بَعْدَ فِعْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُوَفَّى لَهُ بِوَعِيدٍ أَلْزَمْته مَا أَحْدَثَ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ حُبِسَ فَخَافَ طُولَ الْحَبْسِ أَوْ قُيِّدَ فَقَالَ ظَنَنْت أَنِّي إذَا امْتَنَعْت مِمَّا أُكْرِهْت عَلَيْهِ لَمْ يَنَلْنِي حَبْسٌ أَكْثَرُ مِنْ سَاعَةٍ أَوْ لَمْ يَنَلْنِي عُقُوبَةٌ خِفْت أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَأْثَمُ عَنْهُ فِيمَا فِيهِ مَأْثَمٌ مِمَّا قَالَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي بِهِ الْكُرْهُ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّخَلُّصِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ حُبِسَ ثُمَّ خُلِّيَ ثُمَّ أَقَرَّ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَهَكَذَا لَوْ ضُرِبَ ضَرْبَةً أَوْ ضَرَبَاتٍ ثُمَّ خُلِّيَ فَأَقَرَّ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ خَوْفٌ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>