للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَارِيَّةُ

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: الْعَارِيَّةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةٌ، الدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّيَابُ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا، فَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا فَتَلِفَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَالْأَشْيَاءُ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَضْمُونًا مِثْلُ الْغَصْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَسَوَاءٌ مَا ظَهَرَ مِنْهَا هَلَاكُهُ وَمَا خَفِيَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَصْبِ وَالْمُسْتَسْلِفُ جَنَيَا فِيهِ أَوْ لَمْ يَجْنِيَا أَوْ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ فَسَوَاءٌ مَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ وَمَا خَفِيَ فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ مَعَ يَمِينِهِ. وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْعَارِيَّةِ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إلَّا مَا تَعَدَّى فِيهِ فَسُئِلَ مِنْ أَيْنَ قَالَهُ؟ فَزَعَمَ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ: وَقَالَ مَا حُجَّتُكُمْ فِي تَضْمِينِهَا؟ قُلْنَا «اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَفْوَانَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ».

قَالَ أَفَرَأَيْت إذَا قُلْنَا فَإِنْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَضْمَنْ؟ قُلْنَا فَأَنْتَ إذًا تَتْرُكُ قَوْلَك. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْنَا: أَلَيْسَ قَوْلُك أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ؟ قَالَ بَلَى. قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَنَّهُ ضَامِنٌ أَوْ الْمُضَارِبُ؟ قَالَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي الْمُسْتَسْلِفِ إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ؟ قَالَ لَا شَرْطَ لَهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا. قُلْنَا: وَيَرُدُّ الْأَمَانَةَ إلَى أَصْلِهَا وَالْمَضْمُونَ إلَى أَصْلِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا جَمِيعًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَقُولَ فِي الْعَارِيَّةِ وَبِذَلِكَ شَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ إلَّا مَا يَلْزَمُ. قَالَ: فَلِمَ شَرَطَ؟ قُلْنَا لِجَهَالَةِ صَفْوَانَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ، وَلَوْ عَرَفَهُ مَا ضَرَّ الشَّرْطُ إذَا كَانَ أَصْلُ الْعَارِيَّةِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِلَا شَرْطٍ كَمَا لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَخَلَاصُ عَقْدِك فِي الْبَيْعِ.

وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ كَانَ عَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَالْخَلَاصُ أَوْ الرَّدُّ قَبْلُ فَهَلْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ؟ قُلْنَا فِي هَذَا كِفَايَةٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وَكَانَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَعِيرٍ اُسْتُعِيرَ فَتَلِفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ. وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ فَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَرَكِبْتهَا بِكَذَا وَقَالَ الرَّاكِبُ رَكِبْتهَا عَارِيَّةً مِنْك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): بَعْدُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ، وَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ، وَلَوْ قَالَ أَعَرْتنِيهَا وَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ غَصَبْتنِيهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدِعُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَإِنْ خَالَفَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الضَّمَانِ أَبَدًا إلَّا بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لَهَا كَانَ أَمِينًا فَخَرَجَ مِنْ حَدِّ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يُجَدِّدْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اسْتِئْمَانًا لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>