للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ السَّلَمِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ يَقْبِضُ الْمُكْتَرِي فِيهِ مَا اكْتَرَى عِنْدَ اكْتِرَائِهِ كَمَا يَقْبِضُ الْمَبِيعَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ تَكَارَى إبِلًا بِأَعْيَانِهَا فَرَكِبَهَا ثُمَّ مَاتَتْ رَدَّ الْجَمَّالُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْحَمُولَةَ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ يَكْتَرِيهِ وَالْعَبْدُ يَسْتَأْجِرُهُ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْحَمُولَةُ إذَا شَرَطَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا كَانَتْ لَازِمَةً لِلْجَمَّالِ بِكُلِّ حَالٍ وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَالْكِرَاءُ بِكُلِّ حَالٍ لَا يُفْسَخُ أَبَدًا بِمَوْتِهِمَا، وَلَا بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، هُوَ فِي مَالِ الْجَمَّالِ إنْ مَاتَ وَمَالِ الْمُكْتَرِي إنْ مَاتَ وَتَحْمِلُ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ حَمُولَتَهُ، أَوْ وَزْنَهَا وَرَاكِبًا مِثْلَهُ وَوَرَثَةُ الْجَمَّالِ إنْ شَاءُوا قَامُوا بِالْكِرَاءِ وَإِلَّا بَاعَ السُّلْطَانُ فِي مَالِهِ وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مَنْ يُوَفِّي الْمُكْتَرِيَ مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْحَمُولَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الرِّحْلَةِ رَحَلَ لَا مَكْبُوبًا، وَلَا مُسْتَلْقِيًا، وَإِنْ انْكَسَرَ الْمَحِلُّ، أَوْ الظِّلُّ أُبْدِلَ مَحْمَلًا مِثْلَهُ، أَوْ ظِلًّا مِثْلَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزَّادِ الَّذِي يَنْفَدُ بَعْضُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الزَّادِ أُبْدِلُهُ بِوَزْنِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَزْنُ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ أَنَّ الزَّادَ يَنْقُصُ قَلِيلًا، وَلَا يُبْدَلُ مَكَانَهُ كَانَ مَذْهَبًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ مَذَاهِبِ النَّاسِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالدَّوَابُّ فِي هَذَا مِثْلُ الْإِبِلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسِيرِ سَارَ كَمَا يَسِيرُ النَّاسُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ لَا مُتْعِبًا، وَلَا مُقَصِّرًا كَمَا يَسِيرُ الْأَكْثَرُ مِنْ النَّاسِ وَيُعْرَفُ خِلَافُ الضَّرَرِ بِالْمُكْتَرِي لِلدَّابَّةِ وَالْمُكْرَى فَإِنْ كَانَتْ صَعْبَةً نَظَرَا فَإِنْ كَانَتْ صُعُوبَتُهَا مُشَابَهَةً صُعُوبَةَ عَوَامِّ الدَّوَابِّ، أَوْ تُقَارِبُهَا لَزِمَتْ الْمُكْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا مَخُوفًا فَإِنْ تَكَارَاهَا بِعَيْنِهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ تَنَاقَضَا الْكِرَاءَ إنْ شَاءَ الْمُكْتَرِي، وَإِنْ تَكَارَى مَرْكَبًا فَعَلَى الْمُكْرِي الدَّابَّةَ لَهُ غَيْرُهَا مِمَّا لَا يُبَايِنُ دَوَابَّ النَّاسِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَعَلَفُ الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ عَلَى الْجَمَّالِ أَوْ مَالِكِ الدَّوَابِّ فَإِنْ تَغَيَّبَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَفَ الْمُكْتَرِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الرُّفْقَةِ بِأَنْ يَعْلِفَ وَيَحْسِبَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ وَالْإِبِلِ، وَإِنْ ضَاقَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاكِبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: يَأْمُرُ الرَّاكِبَ أَنْ يَعْلِفَ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ الرُّكُوبَ وَالرُّكُوبُ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِعَلَفٍ وَيَحْسِبُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَلَفِ وَإِلَّا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُكْتَرِي الرُّكُوبَ كَانَ مَذْهَبًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي هَذَا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَكُونُ أَمِينَ نَفْسِهِ وَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ إنْ قَالَ: لَمْ يَعْلِفْهَا إلَّا بِكَذَا وَقَالَ الْأَمِينُ عَلَفْتهَا بِكَذَا لِأَكْثَرَ فَإِنْ قَبِلَ قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي مَالِهِ سَقَطَ كَثِيرٌ مِنْ حَقِّ الْعَالِفِ، وَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُكْتَرِي الْعَالِفِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى عَلَفِ مِثْلِهَا فَصَدَّقَ بِهِ فِيهِ، فَقَدْ خَرَجَ مَالِكُ الدَّابَّةِ وَالْمُكْتَرِي مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا، وَقَدْ تَرِدُ أَشْبَاهٌ مِنْ هَذَا فِي الْفِقْهِ فَيَذْهَبُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنْ لَا قِيَاسَ وَأَنَّ الْقِيَاسَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَقُولُونَ يَقْضِي فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِأَقْرَبِ الْأُمُورِ فِي الْعَدْلِ فِيمَا يَرَاهُ إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ مُتَقَدِّمٌ مِنْ حُكْمٍ يَتْبَعُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَيَعِيبُ هَذَا الْمَذْهَبَ بَعْضُ النَّاسِ وَيَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مُتَقَدِّمِ الْأَحْكَامِ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى أَنْ يُكْثِرَ الْقَوْلَ بِمَا عَابَ وَيَرُدَّ مَا يُشْبِهُ هَذَا فِيمَا يَرَى رَدَّهُ مَنْ كَرِهَ الرَّأْيَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا يَكُونُ عَدْلًا عِنْدَ النَّاسِ فِيمَا يَرَى الْحَاكِمُ فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ، فَقَدْ يَتْرُكُ أَهْلُ الْقِيَاسِ الْقِيَاسَ فَيَكُونُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَى أَكْثَرِ مُعَامَلَتِهِمْ وَعَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ صَلَاحِهِمْ وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُهُ مِمَّا يَسْمَعُ مِنْ قَضِيَّتِهِمَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَغْلَبَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْقِيَاسِ أَعَادَ الْأُمُورَ إلَى الْأُصُولِ ثُمَّ قَاسَهَا عَلَيْهَا وَحَكَمَ لَهَا بِأَحْكَامِهَا، وَهَذَا رُبَّمَا تَفَاحَشَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>