للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ فِي الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا أَنَّ الْوَاهِبَ عَلَى هِبَتِهِ إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حَتَّى يَرْضَى مِنْ هِبَتِهِ، وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا فِي مَذْهَبِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِزِيَادَةٍ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَكَانَ كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فِيهِ الْخِيَارُ عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نُقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ، وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ أَوْ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلَافُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَفِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ " بَابُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ "

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا هِبَةً، أَوْ تَصَدَّقَتْ، أَوْ تَرَكَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ قَالَتْ أَكْرَهَنِي وَجَاءَتْ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا وَأُمْضِي عَلَيْهَا مَا فَعَلَتْ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ أَقْبَلُ بَيِّنَتَهَا عَلَى ذَلِكَ وَأُبْطِلُ مَا صَنَعَتْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِشَيْءٍ، أَوْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا، أَوْ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى ذَلِكَ وَالزَّوْجُ فِي مَوْضِعِ الْقَهْرِ لِلْمَرْأَةِ أَبْطَلْت ذَلِكَ عَنْهَا كُلُّهُ

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبَةَ لَهُ وَهِيَ دَارٌ فَبَنَاهَا بِنَاءً وَأَعْظَمَ النَّفَقَةَ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَأَصْلَحَهَا، أَوْ صَنَعَهَا حَتَّى شَبَّتْ وَأَدْرَكَتْ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ كُلِّ هِبَةٍ زَادَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا خَيْرًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ، أَرَأَيْت إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا أَكَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَلَمْ يَهَبْهُ لَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْهُ قَطُّ؟ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي الْوَلَدِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ جَارِيَةً، أَوْ دَارًا فَزَادَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدَيْهِ، أَوْ بَنَى الدَّارَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ أَيْ حَالَ مَا كَانَتْ زَادَتْ خَيْرًا أَوْ نَقَصَتْ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ إذَا أَصْدَقَ الْمَرْأَةَ جَارِيَةٌ فَزَادَتْ فِي يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهَا زَائِدَةً فَأَمَّا الدَّارُ، فَإِنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا بَنَى مَا يَمْلِكُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ بِنَاءَهُ، وَلَا يَهْدِمَهُ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَعْطَيْته قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَخَذْت نِصْفَ الدَّارِ وَالْبِنَاءِ كَمَا يَكُونُ لَك وَعَلَيْك فِي الشُّفْعَةِ يَبْنِي فِيهَا صَاحِبُهَا، وَلَا تَرْجِعُ بِنِصْفِهَا كَمَا لَوْ أَصْدَقهَا دَارًا فَبَنَتْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّ مَبْنِيًّا أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِهِ بَائِنٍ مِنْهَا كَمُبَايَنَةِ الْخَرَاجِ وَالْخِدْمَةِ لَهَا كَمَا لَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُصَدَّقَةِ ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمَرْأَةِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ لِابْنِهِ وَابْنُهُ كَبِيرٌ، وَهُوَ فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي عِيَالِ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ فَهَذِهِ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ):

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ جَارِيَةً وَابْنُهُ فِي عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا لَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ تَامَّةً حَتَّى يَقْبِضَهَا الِابْنُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْبَالِغِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ مَا كَانُوا صِغَارًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي حَالِ الصِّغَرِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَكَذَا كُلُّ هِبَةٍ وَنِحْلَةٍ وَصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْعَطَايَا الَّتِي لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا عِوَضٌ، وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْمُعْطِي

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا لِرَجُلَيْنِ، أَوْ مَتَاعًا وَذَلِكَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُقَسَّمُ فَقَبَضَاهُ جَمِيعًا فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>