للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِوَى الْمَاشِيَةِ فَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنَّهَا تَخْرِقُ بِأَنْفُسِهَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لَهَا، وَإِذَا وَجَدَ رَجُلٌ بَعِيرًا فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِيَأْكُلَهُ فَلَا، وَهُوَ ظَالِمٌ، وَإِنْ كَانَ لِلسُّلْطَانِ حِمًى، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الضَّوَالِّ مُؤْنَةٌ تَلْزَمُهُ فِي رِقَابِ الضَّوَالِّ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَهَا فِي الْحِمَى حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا، وَمَا تَنَاتَجَتْ فَهُوَ لِمَالِكِهَا وَيُشْهِدُ عَلَى نِتَاجِهَا كَمَا يُشْهِدُ عَلَى الْأُمِّ حِينَ يَجِدُهَا وَيَوْسُمُ نِتَاجَهَا وَيَوْسُمُ أُمَّهَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حِمًى وَكَانَ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ تُعَلَّقُ فِي رِقَابِهَا غُرْمًا رَأَيْت أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَّا فِي كُلِّ مَا عَرَفَ أَنَّ صَاحِبَهُ قَرِيبٌ بِأَنْ يَعْرِفَ بَعِيرَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيَحْبِسُهُ، أَوْ يَعْرِفَ وَسْمَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ حَبَسَهَا لَهُمْ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

اللُّقَطَةُ الْكَبِيرَةُ

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ اللُّقَطَةَ مِمَّا لَا رُوحَ لَهُ مَا يُحْمَلُ وَيَحُولُ، فَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ لُقَطَةً، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرْت، عَرَّفَهَا سَنَةً وَيُعَرِّفُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ إيَّاهَا فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا وَيُعَرِّفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوَزْنَهَا وَحِلْيَتَهَا وَيَكْتُبُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا مَتَى جَاءَ غَرِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ السَّنَةِ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا وَالْمُلْتَقِطُ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ جَاءَ وَسِلْعَتُهُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأُفْتِي الْمُلْتَقِطَ إذَا عَرَفَ رَجُلٌ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ بَاطِلًا أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلَا أُجْبِرُهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهَا كَمَا تَقُومُ عَلَى الْحُقُوقِ فَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ فَسَوَاءٌ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُونَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ وَصَفَهَا وَيُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنَّ الْمُلْتَقَطَةَ عَنْهُ قَدْ وَصَفَهَا فَلَيْسَ لِإِصَابَتِهِ الصِّفَةَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ بِهِ أَحَدٌ شَيْئًا فِي الْحُكْمِ.

وَإِنَّمَا قَوْلُهُ أَعْرِفُ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَ مَا تُؤَدِّي مِنْهَا وَلِنَعْلَمَ إذَا وَضَعْتهَا فِي مَالِكٍ أَنَّهَا اللُّقَطَةُ دُونَ مَالِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِ الْمُعْتَرِفِ، وَهَذَا الْأَظْهَرُ إنَّمَا قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَهَذَا مُدَّعٍ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ عَشَرَةً، أَوْ أَكْثَرَ وَصَفُوهَا كُلُّهُمْ فَأَصَابُوا صِفَتَهَا أَلَنَا أَنْ نُعْطِيَهُمْ إيَّاهَا يَكُونُونَ شُرَكَاءَ فِيهَا، وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا، أَوْ أَلْفَيْنِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّهُمْ كَاذِبٌ إلَّا وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَعَلَّ الْوَاحِدَ يَكُونُ كَاذِبًا لَيْسَ يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ بِالصِّفَةِ شَيْئًا، وَلَا تَحْتَاجُ إذَا الْتَقَطْت أَنْ تَأْتِيَ بِهَا إمَامًا، وَلَا قَاضِيًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِ اللُّقَطَةِ وَيَدْفَعَهَا إلَى مَنْ اعْتَرَفَهَا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بِأَمْرِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ حَاكِمٍ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ ضَمِنَ.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ الْعَبْدُ الْآبِقُ أَوْ الضَّالَّةُ مِنْ الضَّوَالِّ فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَمِثْلُ اللُّقَطَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا، فَإِذَا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عِنْدَهُ كَانَ الِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِئَلَّا يُقِيمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَيِّنَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ عَادِلَةٍ وَيُقِيمُ آخَرُ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَيَكُونُ أَوْلَى، وَقَدْ تَمُوتُ الْبَيِّنَةُ وَيَدَّعِي هُوَ أَنَّهُ دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ لَهُ فَيَضْمَنُهُ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ الْآخَرِ رَجَعَ هَذَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ أَنَّهُ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى اللُّقَطَةِ، أَوْ ضَالَّةٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ هَذَا مَالٌ، وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ وَوَصَفَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ وَشَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ عَبْدِهِ وَأَنَّهُ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>