للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الشِّعْبِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مَالَ الْعَبْدِ إذَا بِيعَ لِسَيِّدِهِ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَأَنَّ اسْمَ مَالِهِ إنَّمَا هُوَ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَجِيرٍ فِي غَنَمِهِ وَدَارِهِ وَأَرْضِهِ هَذِهِ أَرْضُك وَهَذِهِ غَنَمُك عَلَى الْإِضَافَةِ لَا الْمِلْكِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِلْكًا لَهُ؟ قِيلَ: لَهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَالَهُ لِلْبَائِعِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْمَعْ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ مَنْ قَتَلَ مِنْ دِيَةٍ، وَلَا مَالٍ شَيْئًا.

ثُمَّ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً، فَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرِثُ مِنْ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَدِيثٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَأِ مِنْ دِيَةٍ، وَلَا مَالٍ، وَهُوَ كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَلَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ، وَلَا خَطَأٍ شَيْئًا أَشْبَهَ بِعُمُومِ أَنْ لَا يَرِثَ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ.

بَابُ الْخِلَافِ فِي مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَفِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمِيرَاثِ الْعَبْدِ وَالْقَاتِلِ

(قَالَ الرَّبِيعُ) (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَوَافَقَنَا بَعْضُ النَّاسِ، فَقَالَ: لَا يَرِثُ مَمْلُوكٌ، وَلَا قَاتِلٌ عَمْدًا، وَلَا خَطَأً، وَلَا كَافِرٌ شَيْئًا، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ، أَوْ قُتِلَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا؟ قَالَ: بَلْ كَافِرٌ، قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ الْكُفَّارِ أَحَدًا فَكَيْفَ وَرَّثْت مُسْلِمًا كَافِرًا؟ فَقَالَ: إنَّهُ كَافِرٌ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَزَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ، قُلْنَا فَإِنْ كَانَ زَالَ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ، فَقَدْ صَارَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَرِثَهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزُلْ بِإِزَالَتِهِ إيَّاهُ، أَفَرَأَيْت أَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ أَيَرِثُهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْنَا: وَلِمَ حَرَمْتَهُ؟ قَالَ: لِلْكُفْرِ، قُلْنَا: فَلِمَ لَا يُحْرَمُ مِنْهُ بِالْكُفْرِ كَمَا حَرَمْته؟ هَلْ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ فِي الْمِيرَاثِ بِحَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ فَيَرِثَ وَيُورَثَ أَوْ يَكُونَ خَارِجًا مِنْ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ فَلَا يَرِثَ، وَلَا يُورَثَ، وَقَدْ قَتَلْته؟ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَدْ زَالَتْ بِإِزَالَتِهِ وَحَرَّمْت عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَحَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَعْضٍ وَحُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضٍ قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَ وَرَثَةَ مُرْتَدٍّ قَتَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ قُلْنَا: قَدْ رَوَيْته عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَبْلَك أَنَّهُ غُلِطَ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ كَانَ أَصْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِك أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ كَافِرًا قُلْنَا فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفًا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَوَرَّثَهُ فَوَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ إذَا مَاتُوا قَبْلَهُ فَعَلِيٌّ لَمْ يَنْهَك عَنْ هَذَا قَالَ: هُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت: فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>