للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجازتهموه قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْمَيِّتُ لَا يَلْزَمُهُمْ بِهَا حُكْمٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ ثَلَاثَةً وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدًا فَتَحْدُثُ لَهُ أَوْلَادٌ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَيَكُونُونَ أَجَازُوا كُلَّ الثُّلُثِ إنَّمَا لَهُمْ بَعْضُهُ وَيَحْدُثُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ يَحْجُبُهُمْ وَيَمُوتُونَ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُونَ أَجَازُوا فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ فِي شَيْءٍ يَمْلِكُونَهُ بِحَالٍ، وَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا إلَّا بَعْدَمَا يَمُوتُ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَجَازُوهَا لِوَارِثٍ كَانَ الَّذِي أُجِيزَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْمُوصِي، فَلَوْ كَانَ مِلْكُ الْوَصِيَّةِ بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَإِجَازَتُهُمْ مِلْكَهَا كَانَ لَمْ يُمَلَّكْهَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبَقَائِهِ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَجَازُوا لَهُ الْوَصِيَّةَ أَجَازُوهَا فِيمَا لَا يَمْلِكُونَ، وَفِيمَا قَدْ لَا يَمْلِكُونَهُ أَبَدًا.

(قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِيمَا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ مِنْ وَصِيَّتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ بِهِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِيرَاثِي مِنْك لِأَخِي فُلَانٍ، أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَهَكَذَا لَوْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي عِتْقِ عَبِيدٍ لَهُ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُمْ رَدُّ مَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْهُمْ وَخَيْرٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُجِيزُوهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِوَصِيَّةٍ فَقَالَ: فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَإِلَّا فَهِيَ لِفُلَانٍ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِهِ مَضَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ جَازَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَذَلِكَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُنَفِّذُوهَا لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا إنْ لَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ لِرَجُلٍ فَقَالَ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلِي فَمَا أَوْصَيْت لَهُ بِهِ لِفُلَانٍ، فَمَاتَ قَبْلَهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِفُلَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ ثُلُثِي إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ هَذَا الْبَلَدَ فَهُوَ لَهُ جَازَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ.

بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ وَمَا لَا يَجُوزُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ لِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ وَصِيَّتُهُ مِنْ وَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِمَا لَا تَجُوزُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَمَاتَ، وَقَدْ عَلِمُوا مَا أَوْصَى بِهِ وَتَرَكَ، فَقَالُوا: قَدْ أَجَزْنَا مَا صَنَعَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَقَصِّهِمْ مِيرَاثَهُ لَهُمْ قَدْ أَجَزْنَا مَا صَنَعَ جَائِزٌ لِمَنْ أَجَازُوهُ لَهُ كَهِبَتِهِ لَوْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ فِيهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ إنَّ الْوِصَايَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُخَالِفَةٌ عَطَايَا الْأَحْيَاءِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبْضٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مُعْطِيَهَا قَدْ مَاتَ، وَلَا يَكُونُ مَالِكًا قَابِضًا لِشَيْءٍ يُخْرِجُهُ مِنْ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ إدْخَالٌ مِنْهُ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْوَرَثَةِ فَقَوْلُهُ فِي وَصِيَّتِهِ يُثْبِتُ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ لَهُمْ يُثْبِتُ لَهُمْ مَا يَثْبُتُ لِأَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ وَمِلْكِهِمْ فَإِنَّمَا قَطَعُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ مَوَارِيثِهِمْ عَمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ مَضَى عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهُ جَائِزٌ لَهُ جَوَازَ مَا فَعَلَ مِمَّا لَمْ يَرُدُّوهُ وَلَيْسَ مَا أَجَازُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا بِشَيْءٍ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُخْرِجُونَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِمْ إلَّا بِسَبَبِ الْمَيِّتِ، وَإِذَا سَلَّمُوا حُقُوقَهُمْ سُلِّمَ ذَلِكَ لِمَنْ سَلَّمُوهُ لَهُ كَمَا يَبْرَءُونَ مِنْ الدَّيْنِ وَالدَّعْوَى فَيَبْرَأُ مِنْهَا مَنْ أَبْرَءُوهُ وَيَبْرَءُونَ مِنْ حُقُوقِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ فَتَنْقَطِعُ حُقُوقُهُمْ فِيهَا، وَلِهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ مِمَّا لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَهُوَ مِلْكٌ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ فَكَيْنُونَتُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَغَيْرُ كَيْنُونَتِهِ سَوَاءٌ.

وَإِجَازَتُهُمْ مَا صَنَعَ الْمَيِّتُ هِبَةٌ مِنْهُمْ لِمَنْ وَهَبُوهُ لَهُ فَمَنْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ جَازَ لَهُ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَدْفَعُوهُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>