للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ انْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِمَا يَرْهَنُهُ

قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمُزَنِيّ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ».

(قَالَ): وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يُمْنَعْ الرَّاهِنُ مِنْ ظَهْرِهَا وَدَرِّهَا، وَأَصْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْبَابِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا يَحْدُثُ مِمَّا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدُّورِ وَزُرُوعِ الْأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ فِي الرَّهْنِ عَبْدَهُ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ وَيُؤَاجِرَهَا وَيَحْلُبَ دَرَّهَا وَيَجُزَّ صُوفَهَا وَتَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى مُرْتَهِنِهَا أَوْ إلَى يَدَيْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَكُلُّ وَلَدِ أَمَةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَثَمَرِ شَجَرَةٍ وَنَخْلَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ يُسَلَّمُ لِلرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رُهُونِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ رَقِيقِهِ فَعَلَيْهِ كَفَنُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تُعْتَقُ أَوْ تُبَاعُ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ زَالَ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَإِذَا رَهَنَ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ وَحَدَثَ الْوَلَدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ دُونَهُ لِحَقٍّ حُبِسَ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا يُؤَاجِرُهَا فَتَكُونُ مُحْتَبِسَةً بِحَقِّ غَيْرِهِ.

وَإِنْ وَلَدَتْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهَا فِي ذَلِكَ مَعَهَا وَالرَّهْنُ كَالضَّمِينِ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ أَخَلَّ نَفْسَهُ فِيهِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ قَطُّ، وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهَا لِلْخِدْمَةِ خَوْفًا أَنْ يُحْبِلَهَا، وَمَا كَانَتْ مِنْ زِيَادَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا مِثْلُ الْجَارِيَةِ تَكْبَرُ وَالثَّمَرَةُ تَعْظُمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْهَا وَهِيَ رَهْنٌ كُلُّهَا. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَنْ يَخْتِنَهُ أَوْ احْتَاجَ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ فَتْحِ عِرْقٍ أَوْ الدَّابَّةِ إلَى تَوْدِيجٍ أَوْ تبزيع فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا فِيهِ لِلرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ.

بَابُ رَهْنِ الْمُشْتَرَكِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا بِمِائَةٍ، وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا مِمَّا عَلَيْهِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ رَهَنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ، وَقَبَضَاهُ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدَهُمَا أَوْ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَ الْمِائَةِ فَنِصْفُهُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَانَ لِلَّذِي افْتَكَّ نِصْفَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْمُرْتَهِنَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ وَلَوْ رَهَنَهُ بِمَا أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهُ بِافْتِكَاكِهِ وَكَانَ الْحَقُّ حَالًّا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَتَبِعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يُوفِيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْغَرِيمُ أَسْلَمَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِهِ إلَّا إلَى مَحِلِّهِ.

وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ وَقَبْضَهُ كَانَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَنْكَرَ أَيُّهُمَا الْأَوَّلَ أُحْلِفَ وَكَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا وَصَدَّقَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُصَدَّقُ وَالْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: أَصَحُّهُمَا أَنْ يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ اجْتَمَعَ فِيهِ إقْرَارُ الْمُرْتَهِنِ وَرَبُّ الرَّهْنِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُقِرٌّ لَهُ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ وَلَهُ فَضْلُ يَدَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّاهِنِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ

<<  <   >  >>