للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُفْلِسُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِهِ لِلْبَائِعِ وَأَجْعَلُهُ لِلْغَرِيمِ سِوَى مَنْ صَدَّقَ الْبَائِعَ ويحاصهم فِيمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْ الْغُرَمَاءِ عَدْلَانِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُفْلِسُ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ فَمَنْ أَجَازَ إقْرَارَهُ أَجَازَهُ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يُجِزْهُ وَأُحْلِفَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَهُ وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَالٍ كَانَ لَهُ بِحِصَّتِهِ وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَارًا فَبُنِيَتْ أَوْ أَرْضًا فَغُرِسَتْ خَيَّرْته بَيْنَ أَنْ يُعْطَى الْعِمَارَةَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ الْأَرْضُ وَالْعِمَارَةُ تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوا وَيَضْمَنُوا مَا نَقَصَ الْقَلْعُ فَيَكُونَ لَهُمْ.

(وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ): إنْ لَمْ يَأْخُذْ الْعِمَارَةَ وَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْلَعُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: الْأَوَّلُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الثَّوْبَ إذَا صُبِغَ لِبَائِعِهِ يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ تُغْرَسُ لِبَائِعِهَا يَكُونُ بِهَا شَرِيكًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ فَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَقِيَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ الَّذِي قَبَضَ ثَمَنُ الْهَالِكِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُمَا بِمِائَةٍ فَقَبَضَ تِسْعِينَ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْآخَرُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: أَصْلُ قَوْلِهِ أَنْ لَيْسَ الرَّهْنُ مِنْ الْبَيْعِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ.

(قَالَ): وَلَوْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ فِي التَّفْلِيسِ دِرْهَمٌ لَمْ يَرْجِعْ فِي قَوْلِهِ مِنْ السِّلْعَةِ إلَّا بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَكْرَاهُ أَرْضًا فَفَلِسَ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فِي أَرْضِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا أَقَامَتْ الْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ أَفْلَسَ وَيَقْلَعَ الزَّرْعَ؛ عَنْ أَرْضِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِأَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ إجَارَةَ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ السَّقْيِ قِيلَ لِلْغُرَمَاءِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ بِأَنْ تُنْفِقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ فَتَأْخُذُوا نَفَقَتَكُمْ مَعَ مَالِكُمْ بِأَنْ يَرْضَاهُ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تَشَاءُوا وَشِئْتُمْ الْبَيْعَ فَبِيعُوهُ بِحَالِهِ.

(قَالَ): وَإِنْ بَاعَهُ زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مَالِهِ فِيهِ إلَّا زَائِدًا بِمَالِ غَرِيمِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ أَقُولُ وَلَا يُشْبِهُ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا السَّوِيقُ يُلَتُّ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ مَالٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالذَّائِبُ إذَا اخْتَلَطَ انْقَلَبَ حَتَّى لَا يُوجَدَ عَيْنُ مَالِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ زَيْتِهِ وَالْمَخْلُوطُ بِهِ مُتَمَيِّزَيْنِ ثُمَّ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ قِيمَةِ زَيْتِهِ أَوْ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِزَيْتِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَيْتَهُ إذَا خُلِطَ بِأَرْدَأَ وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَيْنَ مَالِهِ كَمَا جَعَلَ الثَّوْبَ يُصْبَغُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَسْمِ الزَّيْتِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ بِلَا ظُلْمٍ قَسَمَهُ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَسْمِ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَشْرَكَهُمَا فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ خَلْطُ زَيْتِهِ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَالِهِ فِيهِ وَفِي قَسْمِهِ ظُلْمٌ وَهُمَا شَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: وَبِهِ أَقُولُ يَأْخُذُهَا وَيُعْطَى قِيمَةَ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ.

(قَالَ): وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَصْبُغُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ يَأْخُذُهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ زِيَادَتُهُ فَإِنْ قَصَّرَهُ بِأُجْرَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الْقَصَّارُ شَرِيكًا فِيهِ بِدِرْهَمٍ، وَالْغُرَمَاءُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ شُرَكَاءُ بِهَا وَبِيعَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزَادَ دِرْهَمًا كَانَ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِدِرْهَمٍ، وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِأَرْبَعَةٍ وَبِهَذَا أَقُولُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ الْقَصَّارَ غَرِيمٌ بِأُجْرَةِ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ لَا عَيْنٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْبَيَاضُ فِي الثَّوْبِ عَنْ الْقِصَارَةِ كَالسَّمْنِ عَنْ الطَّعَامِ، وَالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ عَنْ السَّقْيِ وَهُوَ لَا يَجْعَلُ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْقِصَارَةِ لَيْسَتْ عَيْنَ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْأَجِيرِ يَبِيعُ فِي حَانُوتٍ أَوْ يَرْعَى غَنَمًا أَوْ يُرَوِّضُ دَوَابَّ فَالْأَجِيرُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ عَنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي هِيَ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَعْيَانِ مَالٍ حُكْمُهَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ تَخُصَّ السُّنَّةُ مِنْهَا شَيْئًا فَيُتْرَكُ لَهَا الْقِيَاسُ.

(قَالَ

<<  <   >  >>