للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَعَلَ صَلَاحًا لِمِثْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مَنْ لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ، وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً فَضَرَبَهَا أَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَمَاتَتْ فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ مَا لَا يَفْعَلُ الْعَامَّةُ ضَمِنَ فَأَمَّا الرُّوَّاضُ فَإِنَّ شَأْنَهُمْ اسْتِصْلَاحُ الدَّوَابِّ وَحَمْلُهَا عَلَى السَّيْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا بِالضَّرْبِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُ الرَّاكِبُ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرَاهُ الرُّوَّاضُ صَلَاحًا بِلَا إعْنَاتٍ بَيِّنٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَضَمِنَ.

(قَالَ): وَالرَّاعِي إذَا فَعَلَ مَا لِلرُّعَاةِ فِعْلُهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ضَمِنَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا يَقْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ بِطَرْحِ الضَّمَانِ كَمَا وَصَفْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَكْرَى حَمْلَ مَكِيلَةٍ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ فَهُوَ فِي الْمَكِيلَةِ جَائِزٌ وَفِي الزَّائِدِ فَاسِدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ حَمَلَ لَهُ مَكِيلَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةً فَلَهُ أَجْرُ مَا حَمَلَ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمَّالُ هُوَ الْكَيَّالُ فَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَلِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ يَضْمَنُ قَمْحَهُ بِبَلَدِهِ.

وَمُعَلِّمُ الْكُتَّابِ وَالْآدَمِيِّينَ مُخَالِفٌ لِرَاعِي الْبَهَائِمِ وَصُنَّاعِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيِّينَ يُؤَدَّبُونَ بِالْكَلَامِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَلَيْسَ هَكَذَا مُؤَدِّبُ الْبَهَائِمِ فَإِذَا ضَرَبَ أَحَدًا مِنْ الْآدَمِيِّينَ لِاسْتِصْلَاحِ الْمَضْرُوبِ أَوْ غَيْرِ اسْتِصْلَاحِهِ فَتَلِفَ كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَالتَّعْزِيرُ لَيْسَ بِحَدٍّ يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ قَدْ فُعِلَ غَيْرُ شَيْءٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ حَدٍّ فَلَمْ يَضْرِبْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْغُلُولُ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُؤْتَ بِحَدٍّ قَطُّ فَعَفَاهُ وَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَسْقَطَتْ فَقِيلَ لَهُ إنَّك مُؤَدِّبٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّ، عَلَيْك الدِّيَةُ فَقَالَ عُمَرُ عَزَمْت عَلَيْك أَنْ لَا تَجْلِسَ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِك فَبِهَذَا قُلْنَا خَطَأُ الْإِمَامِ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ.

(قَالَ): وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ فَقَالَ رَبُّهُ أَمَرْتُك أَنْ تَقْطَعَهُ قَمِيصًا وَقَالَ الْخَيَّاطُ بَلْ قَبَاءً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ وَصَفَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْقَطْعِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَهْنٌ وَقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَعْمَلْ لَهُ عَمَلَهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلٍ بِإِجَارَةٍ فَقَالَ قَدْ حَمَلْته لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَدْخُولٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ مَا شَبَّهَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِحَدَثِهِ وَأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَنْفَعُهُ فَالْخَيَّاطُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الثَّوْبَ لِرَبِّهِ وَأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا وَادَّعَى إذْنَهُ، وَإِجَارَةً عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِلَّا حَلَفَ صَاحِبُهُ وَضَمَّنَهُ مَا أَحْدَثَ فِي ثَوْبِهِ.

مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ وَالشَّرِكَةِ فِي الزَّرْعِ،

وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَسَائِلَ سَمِعْتُهَا مِنْهُ لَفْظًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً فَحَبَسَهَا قَدْرَ الْمَسِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَبَسَهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ ذَلِكَ ضَمِنَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ «كُنَّا نُخَابِرُ، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ

<<  <   >  >>