للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ» وَعَطِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَّةٌ لِمَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ أَثْبَتُ مِنْ عَطِيَّةِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ حَيْثُ كَانَ، وَقَدْ «أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّورَ فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ نَكَبَ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إذَنْ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ فِيهِمْ لِلضَّعِيفِ حَقُّهُ» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمَنَازِلِ وَالنَّخْلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعَامِرِ» وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الْعَامِرَ يَكُونُ مِنْهُ مَوَاتٌ وَالْمَوَاتُ الَّذِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ يَعْمُرُهُ خَاصَّةً وَأَنْ يَحْمِيَ مِنْهُ مَا يَرَى أَنْ يَحْمِيَهُ عَامًّا لِمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي عَرَفْنَا نَصًّا وَدَلَالَةً فِيمَا حَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ حَمَى النَّقِيعَ» وَهُوَ بَلَدٌ لَيْسَ بِالْوَاسِعِ الَّذِي إذَا حَمَى ضَاقَتْ الْبِلَادُ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حَوْلَهُ وَأَضَرَّ بِهِمْ وَكَانُوا يَجِدُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِلَادِ سَعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ وَفِيهِ صَلَاحٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِسَبِيلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَمَا فَضَلَ مِنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْجِزْيَةِ تَرْعَى جَمِيعُهَا فِيهِ فَأَمَّا الْخَيْلُ فَقُوَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَسْلَكُ سَبِيلِهَا أَنَّهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْمُجَاهِدِينَ، وَأَمَّا النَّعَمُ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَيُعَادُ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا، وَأَمَّا نَعَمُ الْجِزْيَةِ فَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ هَذَا خَصْلَةُ صَلَاحٍ فِي دِينِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ عَامَّةٍ مِنْ مُسْتَحِقِّي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَا حَمَى عَنْ خَاصَّتِهِمْ أَعْظَمَ مَنْفَعَةً لِعَامَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَقُوَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَ دَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ عَدُوِّهِمْ. قَدْ حَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَلَّى عَلَيْهِ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ هُنَيُّ وَقَالَ لَهُ يَا هُنَيُّ ضُمَّ جَنَاحَك لِلنَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الْغُنَيْمَةِ يَأْتِينِي بِعِيَالِهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك؟ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَقَلَّهَا الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ ضَرَرُهُ عَلَى مَنْ حَمَاهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».

(قَالَ): وَكَانَ الرَّجُلُ الْعَزِيزُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُخْصِبًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى جَبَلٍ إنْ كَانَ بِهِ أَوْ نَشْزٍ إنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ اسْتَعْوَى كَلْبًا وَأَوْقَفَ لَهُ مَنْ يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ، وَيَمْنَعُ هَذَا مِنْ غَيْرِهِ لِضَعْفِ مَاشِيَتِهِ، وَمَا أَرَادَ مَعَهَا فَنَرَى أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ»: لَا حِمًى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ: فَلِلَّهِ كُلَّ مَحْمِيِّ وَغَيْرُهُ، وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يُحْمَى لِصَلَاحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِمَا يَحْمِي لَهُ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْلِكْ مَالًا إلَّا مَا لَا غِنَى بِهِ وَبِعِيَالِهِ عَنْهُ، وَمَصْلَحَتِهِمْ حَتَّى صَيَّرَ مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَمَالَهُ إذَا حَبَسَ قُوتَ سَنَتِهِ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَلِأَنَّ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ كَانَ مُفَرَّغًا لِطَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - (قَالَ): وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أُعْطِيَهُ فَعَمَّرَهُ نُقِضَتْ عِمَارَتُهُ.

<<  <   >  >>