للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت يَقُولُ وَأَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ وَابْتَعْت بِهِ مَخْرَقًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ» وَرُوِيَ أَنَّ شِبْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنْ يُعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلًا مُقَاتِلًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ قَتَلَهُ مُبَارِزًا أَوْ غَيْرَ مُبَارِزٍ، وَقَدْ «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَ مَرْحَبٍ مَنْ قَتَلَهُ مُبَارِزًا» وَأَبُو قَتَادَةَ غَيْرُ مُبَارِزٍ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولِينَ مُقْبِلَانِ وَلِقَتْلِهِمَا مُقْبِلِينَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ مُؤْنَةٌ لَيْسَتْ لَهُ إذَا انْهَزَمُوا أَوْ انْهَزَمَ الْمَقْتُولُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ مَا قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الرَّجُلَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ حُكْمٌ عِنْدَنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَدَّ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَإِنَّ سَلَبَهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَقَتَلَهُ آخَرُ كَانَ سَلَبُهُ لِلْآخَرِ وَلَوْ قَتَلَهُ اثْنَانِ كَانَ سَلَبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إنْ كَانَ رَاكِبَهُ أَوْ مُمْسِكَهُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ يَدِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالنَّفَلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «نَفْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَنِيمَةٍ قِبَلَ نَجْدٍ بَعِيرًا بَعِيرًا» وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفَّلَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُمُسِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ فِيمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا سِوَى سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمِيعِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ إذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُنَفِّلُ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ. وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّفْلِ فِي الْبُدَاءَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثُ فِي وَاحِدَةٍ وَالرُّبُعُ فِي الْأُخْرَى وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ وَلَكِنْ عَلَى الِاجْتِهَادِ.

بَابُ تَفْرِيقِ الْقَسْمِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ شَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قُسِّمَ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ، فَالْإِمَامُ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يُفَادِيَ أَوْ يَسْبِيَ وَسَبِيلُ مَا سُبِيَ أَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ شَيْءٍ عَلَى إطْلَاقِهِمْ سَبِيلَ الْغَنِيمَةِ «وَفَادَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ»، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حَصَلَ بَعْدَمَا وَصَفْنَا كَامِلًا، وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِهَا ثُمَّ يَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ، وَيَرْضَخَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنِّسَاءِ فَيُنَفِّلَهُمْ شَيْئًا لِحُضُورِهِمْ، وَيَرْضَخَ لِمَنْ قَاتَلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الْجَمِيعِ ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفَرَسَانِ وَالرَّجَّالَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ كَمَا «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْفَرَسُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ؛ لِمَا تَكَلَّفَ مِنْ اتِّخَاذِهِ؛ وَاحْتَمَلَ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَنَدَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى اتِّخَاذِهِ لِعَدُوِّهِ، وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يُعْطَ

<<  <   >  >>