للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَتَّى بِالسِّقْطِ» وَأَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» وَيُقَالُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

(قَالَ): وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّى لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

(قَالَ): وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ فَقَالَ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَمْ يَنْدُبْهُنَّ إلَى النِّكَاحِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ.

(قَالَ): وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا حَاسِرَةً وَيَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَهِيَ مُتَغَطِّيَةٌ بِإِذْنِهَا وَبِغَيْرِ إذْنِهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.

بَابُ مَا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْكَاحُ الْأَبِ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَوَجْهُ النِّكَاحِ

وَالرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ أَمَتَهُ وَيَجْعَلُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا مِنْ جَامِعِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكِتَابُ النِّكَاحِ إمْلَاءٌ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَاخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَالرِّسَالَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّ حَقًّا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْحَرَائِرَ البوالغ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ وَدَعَوْنَ إلَى رِضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.

(قَالَ): وَهَذِهِ أَبْيَنُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ.

(قَالَ): وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ فَقَالَ: زَوَّجْتُك أُخْتِي دُونَ غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا لَا أُنْكِحُكهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا أَوْ قَالَ اخْتَلَفُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».

(قَالَ): وَفِي ذَلِكَ دَلَالَاتٌ.

مِنْهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ شِرْكًا فِي بُضْعِهَا لَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ مَا لَمْ يُعْضِلْهَا وَلَا نَجِدُ لِشِرْكِهِ فِي بُضْعِهَا مَعْنًى إلَّا فَضْلَ نَظَرِهِ لِحِيَاطَةِ الْمَوْضِعِ أَنْ يَنَالَهَا مَنْ لَا يُكَافِئُهَا نَسَبُهُ وَفِي ذَلِكَ عَارٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْعَقْدَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ وَأَنَّ الْإِصَابَةَ إذَا كَانَتْ بِشُبْهَةٍ فَفِيهَا الْمَهْرُ وَدُرِئَ الْحَدُّ.

(قَالَ): وَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ؛ لِأَنَّ عَارَهَا لَا يَلْحَقُهُ وَجَمَعَتْ الطَّرِيقُ رُفْقَةً فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَتَزَوَّجْهَا فَجَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهُمَا وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» دَلَالَةً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَاَلَّتِي تُخَالِفُهَا الْكَلَامُ. وَالْآخَرُ: أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي وِلَايَةِ أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفٌ، فَوِلَايَةُ الثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ هَا هُنَا الْأَبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دُونَ الْأَوْلِيَاءِ. وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ «خَنْسَاءَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهُ وَفِي تَرْكِهِ أَنْ يَقُولَ لِخَنْسَاءَ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تُجِيزِي مَا فَعَلَ أَبُوك» دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجَازَتْهُ مَا جَازَ وَالْبِكْرُ مُخَالِفَةٌ لَهَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَا سَوَاءً كَانَ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِأَنْفُسِهِمَا، «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ سِنِينَ وَدَخَلَ بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» وَهِيَ لَا أَمْرَ لَهَا وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا أَشْبَهَ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْلُودِ يُقْتَلُ أَبُوهُ يُحْبَسُ قَاتِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَقْتُلَ أَوْ يَعْفُوَ.

(قَالَ): وَالِاسْتِئْمَارُ لِلْبِكْرِ عَلَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} لَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدٍ رَدَّ مَا رَأَى

<<  <   >  >>