للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْحَرَائِرِ وَغَيْرِ الِاسْتِطَاعَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَحْرَارَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا مُسْلِمَةً وَلَا تَحِلُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ شَرْطَانِ أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلَ حُرَّةٍ وَيَخَافُ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَالْعَنَتُ، الزِّنَا وَاحْتُجَّ بِأَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ امْرَأَةٍ فَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً قَالَ طَاوُسٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَهُوَ يَجِدُ صَدَاقَ الْحُرَّةِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ طَوْلًا إلَى الْحُرَّةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ مَعًا قِيلَ: يَثْبُتُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَقِيلَ: يَنْفَسِخَانِ مَعًا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مَعَهَا أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُفْسَدُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ فِي مَعْنَى مَنْ تَزَوَّجَهَا وَقِسْطًا مَعَهَا مِنْ خَمْرٍ بِدِينَارٍ فَالنِّكَاحُ وَحْدَهُ ثَابِتٌ وَالْقِسْطُ الْخَمْرُ وَالْمَهْرُ فَاسِدَانِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُفْسِدْهُ مَا بَعْدَهُ وَحَاجَّنِي مَنْ لَا يَفْسَخُ نِكَاحَ إمَاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمَاتِ فَقَالَ كَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ مِنْ نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ تَحْرُمْ تَعَالَى نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ دَلَّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ قُلْت: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَاسْتَثْنَى إحْلَالَهَا لِلْمُضْطَرِّ فَهَلْ تَحِلُّ لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ وَاسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ إحْلَالَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهَلْ يَجُوزُ حَرَائِرُ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا تَحِلُّ إمَاؤُهُمْ وَإِمَاؤُهُمْ غَيْرُ حَرَائِرِهِمْ وَاشْتُرِطَ فِي إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَقُلْت لَهُ: لِمَ لَا أَحْلَلْت الْأُمَّ كَالرَّبِيبَةِ وَحَرَّمْتهَا بِالدُّخُولِ كَالرَّبِيبَةِ؟.

(قَالَ): لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةٌ وَالشَّرْطَ فِي الرَّبِيبَةِ (قُلْت) فَهَكَذَا قُلْنَا فِي التَّحْرِيمِ فِي الْمُشْرِكَاتِ وَالشَّرْطُ فِي التَّحْلِيلِ فِي الْحَرَائِرِ وَإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ.

(قَالَ): وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَأَيُّ صِنْفٍ حَلَّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَلَّ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَمَا حَرُمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَرُمَ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَلَا أَكْرَهُ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَّا لِئَلَّا يُفْتَنَ عَنْ دِينِهِ أَوْ يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ.

بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ فِي الْعِدَّةِ جَائِزٌ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّعْرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَسَمُ بَعْضَهُ وَالتَّعْرِيضُ كَثِيرٌ وَهُوَ خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَهُوَ تَعْرِيضُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ بِمَا يَدُلُّهَا بِهِ عَلَى إرَادَةِ خِطْبَتِهَا بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَتُجِيبُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَالْقُرْآنُ كَالدَّلِيلِ إذْ أَبَاحَ التَّعْرِيضَ وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً عَلَى أَنَّ السِّرَّ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ هُوَ الْجِمَاعُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

أَلَا زَعَمْت بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي … كَبِرْت وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي

كَذَبْت لَقَدْ أَصْبَى عَنْ الْمَرْءِ عُرْسُهُ … وَأَمْنَعُ عُرْسِي أَنْ يَزْنِيَ بِهَا الْخَالِي.

<<  <   >  >>