للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذَا لَزِمَهَا بِالْحُكْمِ مَا تَكْرَهُ أَنْ لَا تُقِيمَ عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ قَدَرَ اللَّذَانِ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ لَا يَرْجُمَهُمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَفَعَلَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ إنْ أَبَتْ أَنْ تُلَاعِنَ حَدَدْنَاهَا.

وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ مَحْدُودَةً فِي زِنًا فَقَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهَا فَجَاءَتْ بِشَاهِدَيْنِ لَاعَنَ وَلَيْسَ جُحُودُهُ الْقَذْفَ إكْذَابًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ وَلَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ، وَلَوْ بَانَتْ فَقَذَفَهَا بِزِنًا نَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ كَانَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا أَوْ حَمْلًا فَيَلْتَعِنْ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَائِنٌ إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ؟ قِيلَ: كَمَا أَلْحَقْت الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ لَاعَنْت بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَهِيَ وَهِيَ تَحْتَهُ وَإِذَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَإِذَا زَالَ الْفِرَاشُ كَانَ الْوَلَدُ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ أَوْلَى أَنْ يُنْفَى أَوْ فِي مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ تَبَيَّنَ.

وَلَوْ قَالَ: أَصَابَكِ رَجُلٌ فِي دُبُرِكِ حُدَّ أَوْ لَاعَنَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهَا حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَطَلَبَتْ حَدَّ أُمِّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا وَحُدَّ لِأُمِّهَا إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ وَكِيلُهَا وَالْتَعَنَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ إلَّا أَنْ يَلْتَعْنَ وَمَتَى أَبَى اللِّعَانَ فَحَدَدْته إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْت رُجُوعَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الضَّرْبِ كَمَا يَقْذِفُ الْأَجْنَبِيَّةَ وَيَقُولُ: لَا آتِي بِشُهُودٍ فَيُضْرَبُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا آتِي بِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ فَضُرِبَتْ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ تَقُولُ: أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْنَا.

وَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ لَاعَنْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا بِوَلَدٍ وَاَللَّهُ يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَقُلْت لَهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَالِكُ الْإِصَابَةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ: نَعَمْ هَذَا الْفِرَاشُ قُلْت: وَالزِّنَا لَا يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ وَلَا يَكُونُ بِهِ مَهْرٌ وَلَا يُدْرَأُ فِيهِ حَدٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِذَا حَدَثَتْ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ بِالْفِرَاشِ الصَّحِيحِ وَلَا الزِّنَا الصَّرِيحِ وَهُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ أَلَيْسَ سَبِيلُهَا أَنْ نَقِيسَهَا بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهَا شَبَهًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ أَشْبَهَ الْوَلَدُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ الْوَلَدَ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَدِ وَإِلْزَامِ الْمَهْرِ وَإِيجَابِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ يَشْتَبِهَانِ فِي النَّفْيِ بِاللِّعَانِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَتَرْكِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً مَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ وَلَكَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلَا كَانَ عَلَى شَاهِدِ يَمِينٍ وَلَمَا جَازَ الْتِعَانُ الْفَاسِقِينَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتُوبَانِ فَيَجُوزَانِ قِيلَ: فَكَذَلِكَ الْعَبْدَانِ الصَّالِحَانِ قَدْ يُعْتَقَانِ فَيَجُوزَانِ مَكَانَهُمَا وَالْفَاسِقَانِ لَوْ تَابَا لَمْ يُقْبَلَا إلَّا بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ يُخْتَبَرَانِ فِيهَا فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِعَانَ الأعميين النَّحِيفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ أَبَدًا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودَيْنِ

بَابُ أَيْنَ يَكُونُ اللِّعَانُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ» قَالَ: فَإِذَا لَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فِي مَكَّةَ فَبَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي مَسْجِدِهِ وَكَذَا كُلِّ بَلَدٍ قَالَ: وَيَبْدَأُ فَيُقِيمُ الرَّجُلَ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً فَيَلْتَعِنُ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَرْأَةَ قَائِمَةً فَتَلْتَعِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ مُشْرِكَةً الْتَعَنَتْ فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ، وَإِنْ شَاءَتْ الْمُشْرِكَةُ أَنْ تَحْضُرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَضَرَتْهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}.

<<  <   >  >>