للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ تَرْكٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ إذَا عَفَا عَنْ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلَوْ كَانَ إذَا عَفَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي مَا يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ مَا يُؤَدِّيهِ بِإِحْسَانٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا مَالٌ بِلَا مَشِيئَةٍ أَوَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: إنَّ عَفْوَ الْمَحْجُورِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي مَالِهِ وَعَفْوِهِ الْمَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي مَالِهِ وَهَذَا مَالٌ بِغَيْرِ مَشِيئَةٍ فَأَقْرَبُ إلَى وَجْهِ مَا قَالَ عِنْدِي فِي الْعَفْوِ الَّذِي لَيْسَ لِأَهْلِ الدَّيْنِ مَنْعُهُ مِنْهُ هُوَ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْقِصَاصِ وَيَقُولَ بِغَيْرِ مَالٍ فَيَسْقُطَانِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

بَابُ الْقِصَاصِ بِالسَّيْفِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} قَالَ: وَإِذَا خَلَّى الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ وَقَتْلَ الْقَاتِلِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَنْظُرَ إلَى سَيْفِهِ فَإِنْ كَانَ صَارِمًا وَإِلَّا أَمَرَهُ بِصَارِمٍ؛ لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ ثُمَّ يَدَعُهُ وَضَرْبَ عُنُقِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يُخْطِئُ بِمِثْلِهِ مِنْ قَطْعِ رِجْلٍ أَوْ وَسَطٍ عُزِّرَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ كَتِفِهِ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُحْسِنُ ضَرْبَ الْعُنُقِ لِيُوجِئَهُ.

(قَالَ): وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فَتَنَحَّى بِهِ فَعَفَاهُ الْوَلِيُّ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَهُ عَفَا وَلَا عَلَى الْعَافِي، وَالثَّانِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَوَدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَهَذَا أَشْبَهُهُمَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْأَشْبَهُ أَوْلَى بِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ تُرِكَتْ بِطِيبِ نَفْسِ الْوَلِيِّ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ مُرْضِعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَتْ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْمَوْلُودِ مَا يَحْيَا بِهِ لَمْ يَحِلَّ عِنْدِي قَتْلُهُ بِقَتْلِ أُمِّهِ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَحْيَا بِهِ فَتُقْتَلَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَاقْتَصَّ مِنْهَا حَامِلًا فَعَلَيْهِ الْمَأْثَمُ فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا ضَمِنَهُ الْإِمَامُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ الْمُقْتَصِّ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَّ لِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَجَنَى عَلَى مَنْ لَا قِصَاصَ لَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَغْرَمُ مَا أَتْلَفَ أَوْلَى مِنْ إمَامٍ حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَأَخَذَهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَتَلَ نَفَرًا قُتِلَ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ الدِّيَاتُ لِمَنْ بَقِيَ فِي مَالِهِ فَإِنْ خَفِيَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ قُتِلَ أَوَّلًا قُتِلَ بِهِ وَأُعْطِيَ الْبَاقُونَ الدِّيَاتِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِالْيَدِ وَقُتِلَ بِالنَّفْسِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ اُقْتُصَّ مِنْ الْيَدِ فَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاطِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ قَدْ اسْتَوْفَى قَبْلَ مَوْتِهِ مَا فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِاقْتِصَاصِهِ بِهِ قَاطِعَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَمَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ قَتَلَا عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ قَتَلَا نَصْرَانِيًّا، أَوْ قَتَلَ ابْنَهُ وَمَعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعُقُوبَةٌ إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ بِالْقَاتِلَيْنِ عَمْدًا يَعْفُو الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ لَهُ قَتْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ، قِيلَ: فَإِذَا أَزَالَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ أَزَالَهُ عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: فِعْلُهُمَا وَاحِدٌ فَقَدْ حَكَمْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ نَفْسِهِ لَا بِحُكْمِ غَيْرِهِ.

(قَالَ): فَإِنْ شَرِكَهُ قَاتِلُ خَطَأٍ فَعَلَى الْعَامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَجِنَايَةُ الْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَاحْتُجَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَنْعِ الْقَوَدِ مِنْ الْعَامِدِ إذَا شَارَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَقَالَ: إنْ كُنْت رَفَعْت عَنْهُ الْقَوَدَ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا

<<  <   >  >>