للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْصَنَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَرَجَمَ عُمَرُ مُحْصَنَةً وَجَلَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكْرًا مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَبِذَلِكَ أَقُولُ، فَإِذَا أَصَابَ الْحُرُّ أَوْ أُصِيبَتْ الْحُرَّةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَقَدْ أَحْصَنَا فَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْضُرَ رَجْمَهُ وَيَتْرُكَ، فَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا عَنْ بَلَدِهِ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا. وَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرَا بِعَدَدِ إقْرَارِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ الْحُدُودَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَمَتَى رَجَعَ تَرَكَ وَقَعَ بِهِ بَعْضُ الْحَدِّ أَوْ لَمْ يَقَعْ.

(قَالَ): وَلَا يُقَامُ حَدُّ الْجَلْدِ عَلَى حُبْلَى وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ الْمُدْنِفِ وَلَا فِي يَوْمٍ حَرُّهُ أَوْ بَرْدُهُ مُفْرِطٌ وَلَا فِي أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حُبْلَى فَتُتْرَكَ حَتَّى تَضَعَ وَيُكْفَلَ وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ الْبِكْرُ نِضْوَ الْخَلْقِ إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ تَلِفَ ضُرِبَ بِإِثْكَالِ النَّخْلِ اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ إلَّا أَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت: أَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًا وَلَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وُضُوءًا.

(قَالَ): وَإِنْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ قَبِلْتهمْ إذَا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا وَمَنْ رَجَعَ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحَدَّ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ شُهُودُ الزِّنَا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ فَإِنْ رُجِمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ سَأَلْته فَإِنْ قَالَ: عَمَدْت أَنْ أَشْهَدَ بِزُورٍ مَعَ غَيْرِي لِيَقْتُلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ: شَهِدْت وَلَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ غَيْرَهُ أُحْلِفَ وَكَانَ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَالْحَدُّ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ الْبَاقُونَ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلَا حَدَّ وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا وَحَدُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ - أَحْصَنَا بِالزَّوَاجِ أَوْ لَمْ يُحْصِنَا - نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَالْجَلْدُ خَمْسُونَ جَلْدَةً (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي نَفْيِهِ نِصْفَ سَنَةٍ وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ يُنْفَى نِصْفَ سَنَةٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت: أَنَا وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى قِيَاسًا عَلَى نِصْفِ مَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إذَا زَنَتْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا».

بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الذِّمِّيِّينَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَلَنَا أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَدَدْنَا الْمُحْصَنَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَغَرَّبْنَاهُ عَامًا (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَوْلَى قَوْلَيْهِ بِهِ إذْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِيهِ تَرْكَهُمْ وَإِيَّاهُ.

<<  <   >  >>