للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التُّرَابَ ثُمَّ قَالَ نَكِّبُوهُ فَنَكَّبُوهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الضَّرْبَ فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ فَاسْتَشَارَ فَضَرَبَ ثَمَانِينَ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَ فَقَالَ عَلِيٌّ نَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا الْحَقُّ قَتَلَهُ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ مَاتَ مِنْهُ فَدَيْته، إمَّا قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ " الشَّكُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِي خَمْرٍ أَوْ مَا يُسْكِرُ مِنْ شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أَوْ طَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ، وَإِنْ ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنَهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَدِيَهُ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فَقَالَ عُمَرُ؛ عَزَمْت عَلَيْك لَتَقْسِمَنَّهَا عَلَى قَوْمِك.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا غَلَطٌ فِي قَوْلِهِ: إذَا ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا وَإِنَّمَا مَاتَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا فَكَيْفَ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْإِمَامِ كُلُّهَا وَإِنَّمَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَوْ ضَرَبَ الْإِمَامُ رَجُلًا فِي الْقَذْفِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ إنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَالْآخَرُ: أَنَّ عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جُرْحًا فَخَاطَهُ الْمَجْرُوحُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ وَالْجُرْحِ الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي نَفْسِهِ - فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّك إذَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ أَنَّهُ بِهِمَا مَاتَ فَلَا تَكُونُ الدِّيَةُ كُلُّهَا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ بِالزِّيَادَةِ وَحْدَهَا حَتَّى كَانَ مَعَهَا مُبَاحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا آخَرَ فَمَاتَ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمَضْرُوبُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَةً حَدًّا فَأُجْهِضَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَوْ حَدَّهُ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمَا فَمَاتَ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِلْجَالِدِ: إنَّمَا أَضْرِبُ هَذَا ظُلْمًا ضَمِنَ الْجَالِدُ وَالْإِمَامُ مَعًا، وَلَوْ قَالَ الْجَالِدُ: قَدْ ضَرَبْتُهُ وَأَنَا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ إلَّا مَا غَابَ عَنْهُ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ وَالْآخَرُ بِثَمَانِينَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْ وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا.

(قَالَ): وَإِذَا خَافَ رَجُلٌ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَالْعَقْلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَوْ عَزَّرَ الْإِمَامُ رَجُلًا فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ.

(قَالَ): وَإِذَا كَانَتْ بِرَجُلٍ سِلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أَوْ أَكَلَةٌ فَأَمَرَ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ فِي الْمُكْرَهِ وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ، وَقِيلَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ أَغْلَفُ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ تَخْفِضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ فَعُزِّرَا فَمَاتَا لَمْ يَضْمَنْ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا إلَّا أَنْ يُعَزِّرَهُمَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ عُذْرٍ فِي مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ.

<<  <   >  >>