للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجِبُ رَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ.

وَلَوْ حَلَفَ مَالَهُ مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أَوْ دَيْنٌ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ.

(قَالَ): وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا مَاسَّتْهُ كُلُّهَا بَرَّ وَإِنْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَمْ تَمَاسَّهُ كُلُّهَا لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ وَيَحْنَثُ فِي الْوَرَعِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} «وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأثكال النَّخْلِ فِي الزِّنَا» وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَاسَّتْهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ أَوْ غُيِّبَ عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَلَامًا يَبَرُّ بِهِ شَكَّ فَكَيْفَ يَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ فِي الْآخَرِ؟ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيُّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ هِبَةٌ فَإِنْ أَسْكَنَهُ فَإِنَّمَا هِيَ عَارِيَّةٌ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا فَمَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عَلَيْهِ.

وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَطَاءٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَقَالَ: مَنْ حَنِثَ فِي الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ عَطَاءٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لَا تَكُونُ إلَّا مَا فَرَضَ اللَّهُ أَوْ تَبَرُّرًا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ إنْ شَفَانِي أَنْ أَحُجَّ نَذْرًا فَأَمَّا إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قُطِعَ بِأَنَّهُ قَوْلُ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنَّمَا النَّذْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى مَعَانِي الْمُعَلَّقِ وَالشَّائِي غَيْرُ النَّاذِرِ.

بَابُ النُّذُورِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَلَّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَكُونَ بِرًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ التَّبَرُّرِ بِرٌّ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأُحِبُّ لَوْ نَذَرَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَجِبَ كَمَا يَبِينُ لِي أَنَّ وَاجِبًا الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِغَيْرِهَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَهُ بِغَيْرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ.

وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ أَوْ مَرًّا أَوْ مِنًى أَوْ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَتَاعًا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا عَلَى الْبَيْتِ أَوْ يَجْعَلَهُ فِي

<<  <   >  >>