للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَجَرْحِ الشُّهُودِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ أَزَنَى بِامْرَأَةٍ؟؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَعُدُّونَ الزِّنَا وُقُوعًا عَلَى بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ يَعُدُّونَ الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلَا يَحُدُّ حَتَّى يُثْبِتُوا رُؤْيَةَ الزِّنَا وَتَغْيِيبَ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ أَجَازَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ كَالزِّنَا يَحُدُّ فِيهِ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ فِي بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِحَدِّهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ مَاتَ الشُّهُودُ قَبْلَ أَنْ يَعْدِلُوا ثُمَّ عَدَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَيَطْرُدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَجَرَحَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَلَا أَقْبَلُ الْجَرْحَ مِنْ الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ مَا يَجْرَحُ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْأَهْوَاءِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَيُجَرَّحُونَ بِالتَّأْوِيلِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِحَدٍّ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ لَمْ يَسْرِقْ.

وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ كَبْشًا لِفُلَانٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: غَدْوَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَبْشُ أَبْيَضُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَسْوَدُ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى يَجْتَمِعَا وَيُحَلِّفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبَ كَذَا وَقِيمَتُهُ رُبُعِ دِينَارٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَلَا قَطْعَ وَهَذَا مِنْ أَقْوَى مَا تُدْرَأُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فِي الْغُرْمِ وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْدُثَ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ رَدَّهَا وَإِنْ حَكَمَ بِهَا وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ نَرُدَّهُ؛ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ يَوْمَ يَقْطَعُ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ.

بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ ضَرْبَانِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ يَتْلَفُ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يُنَالُ بِقَطْعٍ أَوْ قِصَاصٍ فَأَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا: عَمَدْنَاهُ بِذَلِكَ فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ فِيهَا الْقِصَاصُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعَلِيٍّ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَغْرَمُوهُ وَعَزَّرُوا دُونَ الْحَدِّ وَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَزَّرُوا وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْعَقْلَ وَلَوْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا؛ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَرْشُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَغْرَمْتهمْ لِلزَّوْجِ صَدَاقَ مِثْلِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إلَّا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى مَا أَعْطَاهَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ فَأُخْرِجَتْ مِنْ يَدَيْهِ إلَى غَيْرِهِ عُزِّرُوا عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَلَمْ يُعَاقَبُوا عَلَى الْخَطَأِ وَلَمْ أُغَرِّمْهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنِّي جَعَلْتهمْ عُدُولًا بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِمْ الْحُكْمَ وَلَمْ يَكُونُوا عُدُولًا بِالْآخَرِ فَتُرَدُّ الدَّارُ وَلَمْ يُفِيتُوا شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا؛ لِأَنْفُسِهِمْ فَانْتَزَعَهُ مِنْهُمْ وَهُمْ كَمُبْتَدِئِينَ شَهَادَةً لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ فَلَا أُغَرِّمُهُمْ مَا أَقَرُّوهُ فِي أَيْدِي غَيْرِهِمْ.

<<  <   >  >>