للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَعَجَزَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ حَتَّى يُجَدِّدَ وَصِيَّةً لَهُ بِهِ وَإِذَا أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ جَازَتْ فِي الثُّلُثِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ تَأْخِيرَهُ وَالْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ فَذَلِكَ لِلْوَارِثِ تَصِيرُ رَقَبَتُهُ لَهُ. وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَكِتَابَتُهُ فَاسِدَةٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي مِلْكِهِ؟

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلَ نِصْفِهِ، وُضِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ بِمَا شَاءُوا وَمِثْلُ نِصْفِهِ، وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ وُضِعَ عَنْهُ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَالْفَضْلُ بَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ: ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ فَشَاءَهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يُبْقِيَ مِنْهَا شَيْئًا.

كِتَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ كُتُبٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ مَا يَبِينُ أَنَّهُ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ عَيْنٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ أُصْبُعٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَا تُخَالِفُ الْمَمْلُوكَةَ فِي أَحْكَامِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ سَأَلْنَا عُدُولًا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ زَعَمْنَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ كَانَتْ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنْ شَكَكْنَ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا كَانُوا مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُمْ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كَأُمِّهِمْ.

وَلَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ عَتَقَ وَلَدُهَا مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ.

وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَإِنْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَهِيَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَوْتِهِ.

وَلَوْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الْقِيمَةِ فَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ عَادَتْ فَجَنَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَإِسْلَامِهِ بَدَنِهَا وَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ، وَيَدْخُلُ فِيهَا أَنَّ إسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا إلَى الْأَوَّلِ لَزِمَ الْأَوَّلَ إخْرَاجُهَا إلَى الثَّانِي إذَا بَلَغَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ قِيمَتَهَا.

وَالثَّانِي أَنَّهُ يَدْفَعُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ وَقَدْ دَفَعَ الْأَرْشَ رَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَالثَّانِي أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قِيمَتِهَا وَبَطَلَتْ الشَّرِكَةُ وَفِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى إبْطَالِ ذَلِكَ إبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِي إبْطَالِهِ ثُبُوتُ الْقَوْلِ الْآخَرِ إذْ لَا وَجْهَ لِقَوْلٍ ثَالِثٍ نَعْلَمُهُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ لَا يَبِيعُ أُمَّهَات الْأَوْلَادِ فَإِذَا افْتَكَّهَا رَبُّهَا صَارَتْ بِمَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ لَا جِنَايَةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى سَيِّدِهَا بِهَا فَكَيْفَ إذَا جَنَتْ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ قِيَاسًا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ مَلَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَى الْأَرْشِ بِحَقٍّ فَكَيْفَ يَجْنِي غَيْرُهُ وَغَيْرُ مِلْكِهِ وَغَيْرُ مَنْ هُوَ عَاقِلُهُ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُهُ أَوْ غُرْمُ شَيْءٍ مِنْهُ.

(قَالَ): فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَتَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَهَا فَإِنْ أَسْلَمَ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ.

فَإِذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إلَيْنَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: قَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَ اسْتِبْرَاءِ

<<  <   >  >>