للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَيَضْطَبِعُ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَبَعَ حِينَ طَافَ» ثُمَّ عُمَرُ.

(قَالَ): وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَمِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ وَالِاسْتِلَامُ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَفْعٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا وَيَمْشِي أَرْبَعًا وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَرْمُلُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثًا» وَالرَّمَلُ هُوَ الْخَبَبُ لَا شِدَّةَ السَّعْيِ وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ وَكَانَ إذَا وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ ثُمَّ رَمَلَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَحْبَبْت أَنْ يَصِيرَ حَاشِيَةً فِي الطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ فَيَتَحَرَّكَ حَرَكَةَ مَشْيِهِ مُتَقَارِبًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَثِبَ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَرْبَعِ، وَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ وَالِاسْتِلَامَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَبَّرَ، وَقَالَ فِي رَمَلِهِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا " وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ إلَّا بِمَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَغَسْلِ النَّجَسِ فَإِنْ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ وَابْتَدَأَ، وَإِنْ بَنَى عَلَى طَوَافٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحِجْرَ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي الطَّوَافِ، وَإِنْ نَكَّسَ الطَّوَافَ لَمْ يُجْزِهِ بِحَالٍ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): الشَّاذَرْوَانُ تَأْزِيرُ الْبَيْتِ خَارِجًا عَنْهُ وَأَحْسَبُهُ عَلَى أَسَاسِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَايِنًا لِأَسَاسِ الْبَيْتِ لَأَجْزَأَهُ الطَّوَافُ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا فَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو اللَّهَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ فَيَصْنَعَ عَلَيْهَا كَمَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَلَكِنْ يُقَصِّرْنَ. وَإِنْ كَانَ حَاجًّا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ وَكَانَتْ قَارِنَةً طَوَافُك يَكْفِيك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك» غَيْرَ أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ الْهَدْيَ؛ لِقِرَانِهِ وَيُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ مَعَ إمَامِهِ.

وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّة بَعْدَ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْغُدُوِّ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى لِيُوَافُوا الظُّهْرَ بِمِنًى فَيُصَلِّي بِهَا الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالصُّبْحَ مِنْ الْغَدِ ثُمَّ يَغْدُو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى تَلْبِيَتِهِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فَإِذَا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ وَأَخَذَ هُوَ فِي الْكَلَامِ وَخَفَّفَ الْكَلَامَ الْآخِرَ حَتَّى يَنْزِلَ بِقَدْرِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ يُقِيمُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَرُوحُ إلَى الْمَوْقِفِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ وَحَيْثُمَا وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَذَا مَوْقِفٌ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ».

(قَالَ): حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ سَمِعْت الشَّافِعِيُّ يَقُولُ عَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نُعْمَانَ، وَإِلَى حُصَيْنٍ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ وَأُحِبُّ لِحَاجٍّ تَرْكَ صَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْهُ وَأَرَى أَنَّهُ أَقْوَى لِلْمُفْطِرِ

<<  <   >  >>