للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

حَيْثُ الْعَدَدُ. وَهَذَا عَلَيْهِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ " الْوُسْطَى " لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْفَضْلُ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] أَيْ عُدُولًا.

الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ ابْتِدَاءً فِي الْعَدَدِ يَقَعُ بِسَبَبِهِ مَعْرِفَةَ الْوَسَطِ. وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ التَّعَارُضُ. فَمَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهَا " الصُّبْحُ " يَقُولُ: سَبَقَهَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ لَيْلًا. وَبَعْدَهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ نَهَارًا. فَكَانَتْ هِيَ الْوُسْطَى. وَمَنْ يَقُولُ " هِيَ الْمَغْرِبُ " يَقُولُ: سَبَقَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَتَأَخَّرَ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ، فَكَانَتْ الْمَغْرِبُ هِيَ وُسْطَى. وَيَتَرَجَّحُ هَذَا بِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَدْ سُمِّيَتْ الْأُولَى. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: فَأَقْوَى مَا ذَكَرْنَاهُ: حَدِيثُ الْعَطْفِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ. وَمَعَ ذَلِكَ: فَدَلَالَتُهُ قَاصِرَةٌ عَنْ هَذَا النَّصِّ الَّذِي اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهَا " الْعَصْرُ " وَالِاعْتِقَادُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَقْوَى مِنْ الِاعْتِقَادِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَدِيثِ الْعَطْفِ. وَالْوَاجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْمُحَقِّقِ: أَنْ يَزِنَ الظُّنُونَ، وَيَعْمَلَ بِالْأَرْجَحِ مِنْهَا.

[تَرْتِيب الْفَوَائِتِ] ١

الْبَحْثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ " ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَصَلَّاهَا بَيْنَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَوَقْتِ الْعِشَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَصَلَّاهَا بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: يَكُونُ الْحَدِيثُ دَالًا عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ صَلَّاهَا - أَعْنِي الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ - بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ الْحَاضِرَةِ. وَذَلِكَ لَا يَرَاهُ مَنْ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ، إلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ يُرَجِّحُ هَذَا التَّقْدِيرَ - أَعْنِي قَوْلَنَا: بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ - عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ - أَعْنِي قَوْلَنَا: بَيْنَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَوَقْتِ الْعِشَاءِ - فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ تَمَّ الِاسْتِدْلَال، وَإِلَّا وَقَعَ الْإِجْمَالُ. وَفِي هَذَا التَّرْجِيحِ - الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ - مَجَالٌ لِلنَّظَرِ عَلَى حَسِبَ قَوَاعِدِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَيَانِ. وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِمَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ لِلتَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالْعَصْرِ وَصَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّرْجِيحَاتِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ " الصَّلَاةَ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ " أَيْضًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>