للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٢ - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» .

ــ

[إحكام الأحكام]

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَنَفْيِ مَا يَقْتَضِي شَغْلَ الْخَاطِرِ بِغَيْرِهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مُبَادَرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، وَنَفْيِ مَا يَخْدِشُ فِيهَا، حَيْثُ أَخْرَجَ الْخَمِيصَةَ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا غَيْرَهَا مِمَّا لَا يُشْغِلُ. فَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ " فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظْرَةً ". وَبَعْثُهُ إلَى أَبِي جَهْمٍ بِالْخَمِيصَةِ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي الصَّلَاةِ، كَمَا جَاءَ فِي " حُلَّةِ عُطَارِدٍ " وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ " إنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا ". وَقَدْ اسْتَنْبَطَ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا: كَرَاهَةَ كُلِّ مَا يُشْغِلُ عَنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْأَصْبَاغِ وَالنُّقُوشِ، وَالصَّنَائِعِ الْمُسْتَطْرَفَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَالْعِلَّةُ: الِاشْتِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ. وَزَادَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا: كَرَاهَةَ غَرْسِ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسَاجِدِ. وَ " الْأَنْبِجَانِيَّة " يُقَالُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَاءِ، وَكَذَلِكَ الْيَاءُ تُخَفَّفُ وَتُشَدَّدُ. وَقِيلَ: إنَّهَا الْكِسَاءُ مِنْ غَيْرِ عَلَمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَلَمٌ فَهُوَ خَمِيصَةٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَالْإِرْسَالِ إلَيْهِمْ وَالطَّلَبِ لَهَا مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ السُّرُورَ بِذَلِكَ أَوْ الْمُسَامَحَةَ.

[بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ]

[حَدِيثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ]

هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ. وَإِنَّمَا هُوَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ لَفْظٍ بِعَيْنِهِ: فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَصِّصُهُ بِالْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِيهِ: النُّسُكَ، لَا السَّفَرَ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ بِعُذْرِ السَّفَرِ، وَأَهْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ: يُؤَوِّلُونَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>