للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِثْلُ أَصْلِ صِيَامِ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ لِلْحَسَنَاتِ. فَإِنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ الْوَاقِعِ فِي الْخَارِجِ. وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يَكُونُ كَالْمُحَقَّقِ، وَأَنَّ الْأُجُورَ تَتَفَاوَتُ بِحَسْبِ تَفَاوُتِ الْمَصَالِحِ، أَوْ الْمَشَقَّةِ فِي الْفِعْلِ. فَكَيْفَ يَسْتَوِي مَنْ فَعَلَ الشَّيْءَ بِمَنْ قُدِّرَ فِعْلُهُ لَهُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْفِعْلِ فِي التَّقْدِيرِ، لَا الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّضْعِيفُ فِي التَّحْقِيقِ

وَهَذَا الْبَحْثُ يَأْتِي فِي مَوَاضِعَ. وَلَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ.

وَمِنْ هَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَشِبْهِهِ عَلَى جَوَازِ صَوْمِ الدَّهْرِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذِكْرٌ لِلتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ هَذَا الصَّوْمِ. وَوَجْهُ التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ مَثَّلَ بِصَوْمِ الدَّهْرِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جِهَةُ التَّرْغِيبِ هِيَ جِهَةَ الذَّمِّ.

وَسَبِيلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الذَّمَّ - عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ - مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ، وَوَجْهُ التَّرْغِيبِ هَهُنَا: حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى الْوَجْهِ التَّقْدِيرِيِّ. فَاخْتَلَفَتْ جِهَةُ التَّرْغِيبِ وَجِهَةُ الذَّمِّ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِاسْتِنْبَاطُ الَّذِي ذُكِرَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ أَقْوَى مِنْهُ دَلَالَةً. وَالْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَاجِبٌ، وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا صَوْمَ الدَّهْرِ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى ذِي عَجْزٍ أَوْ مَشَقَّةٍ، أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ لُزُومِ تَعْطِيلِ مَصَالِحَ رَاجِحَةٍ عَلَى الصَّوْمِ، أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ بِحَقِّ الْغَيْرِ كَالزَّوْجَةِ مَثَلًا. .

[مَسْأَلَة الْفَضْلُ فِي صِيَامِ دَاوُد]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي صَوْمِ دَاوُد " وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ " ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي تَفْضِيلِ هَذَا الصَّوْمِ عَلَى صَوْمِ الْأَبَدِ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ: نَظَرُوا إلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْأَجْرُ أَوْفَرَ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. فَاحْتَاجُوا إلَى تَأْوِيلِ هَذَا. وَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِكَ، أَيْ مَنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ الْأَكْثَرِ وَبَيْنَ الْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ. وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي: أَنْ يُجْرَى عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي تَفْضِيلِ صِيَامِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالسَّبَبُ فِيهِ: أَنَّ الْأَفْعَالَ مُتَعَارِضَةُ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ.

وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَنَا وَلَا مُسْتَحْضَرًا، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ، فَمِقْدَارُ تَأْثِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْحَثِّ وَالْمَنْعِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لَنَا. فَالطَّرِيقُ حِينَئِذٍ أَنْ نُفَوِّضَ الْأَمْرَ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَنَجْرِيَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مَعَ قُوَّةِ الظَّاهِرِ هَهُنَا. وَأَمَّا زِيَادَةُ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءُ الْقَاعِدَةِ لِزِيَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>