للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثُ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ صِيَامِهِمَا]

مَدْلُولُهُ: الْمَنْعُ مِنْ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدِ. وَيَقْتَضِي ذَلِكَ عَدَمَ صِحَّةِ صَوْمِهِمَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصِّحَّةِ مُخَالَفَةٌ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ. فَقَالُوا: إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ: صَحَّ نَذْرُهُ. وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِصَوْمِ ذَلِكَ. وَطَرِيقُهُمْ فِيهِ: أَنَّ الصَّوْمَ لَهُ جِهَةُ عُمُومٍ وَجِهَةُ خُصُوصٍ. فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْمٌ: يَقَعُ الِامْتِثَالُ بِهِ. وَمَنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْمُ عِيدٍ: يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ: يَحْصُلُ بِالْجِهَةِ الْأُولَى، أَعْنِي كَوْنَهُ صَوْمًا. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ: خِلَافُ ذَلِكَ. وَبُطْلَانُ النَّذْرِ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الصَّوْمِ: وَاَلَّذِي يُدَّعَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازَمَ هَهُنَا. وَلَا انْفِكَاكَ. فَيَتَمَكَّنُ النَّهْيُ مِنْ هَذَا الصَّوْمِ. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً. فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ.

بَيَانُهُ: أَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ. وَالنَّاذِرُ لَهُ مُعَلِّقٌ لِنَذْرِهِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ النَّهْيُ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهَا. فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّلَازُمُ بَيْنَ جِهَةِ الْعُمُومِ، أَعْنِي كَوْنَهَا صَلَاةً وَبَيْنَ جِهَةِ الْخُصُوصِ أَعْنِي كَوْنَهَا حُصُولًا فِي مَكَان مَغْصُوبٍ، وَأَعْنِي بِعَدَمِ التَّلَازُمِ هَهُنَا: عَدَمَهُ فِي الشَّرِيعَةِ. فَإِنَّ الشَّرْعَ وَجَّهَ الْأَمْرَ إلَى مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، وَالنَّهْيَ إلَى مُطْلَقِ الْغَصْبِ. وَتَلَازُمُهُمَا وَاجْتِمَاعُهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ، لَا فِي الشَّرِيعَةِ. فَلَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ شَرْعًا بِهَذَا الْخُصُوصِ، بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ خُصُوصِهِ. فَتَلَازَمَتْ جِهَةُ الْعُمُومِ وَجِهَةُ الْخُصُوصِ فِي الشَّرِيعَةِ. وَتَعَلَّقَ النَّهْيُ بِعَيْنِ مَا وَقَعَ فِي النَّذْرِ. فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً.

وَتَكَلَّمَ أَهْلُ الْأُصُولِ فِي قَاعِدَةٍ تَقْتَضِي النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إمْكَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ: إذْ لَا يُقَالُ لِلْأَعْمَى: لَا تُبْصِرْ، وَلِلْإِنْسَانِ: لَا تَطِرْ، فَإِذًا هَذَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ - أَعْنِي صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ - مُمْكِنٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ إنَّمَا تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ، وَالْإِمْكَانَ الْعَقْلِيَّ أَوْ الْعَادِيَّ، وَالنَّهْيُ يَمْنَعُ التَّصَوُّرَ الشَّرْعِيَّ، فَلَا يَتَعَارَضَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَصْرِفُ اللَّفْظَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>