للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٦٨ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ]

يُقَالُ: أَبَرْتُ النَّخْلَةَ آبُرُهَا. وَقَدْ يُقَالُ بِالتَّشْدِيدِ، وَ " التَّأْبِيرُ " هُوَ التَّلْقِيحُ. وَهُوَ أَنْ يُشَقِّقَ أَكِمَّةَ إنَاثِ النَّخْلِ، وَيَذُرَّ طَلْعَ الذَّكَرِ فِيهَا. وَلَا يُلَقَّحُ جَمِيعُ النَّخِيلِ، بَلْ يُؤَبَّرُ الْبَعْضُ وَيُشَقَّقُ الْبَاقِي. بِانْبِثَاثِ رِيحِ الْفُحُولِ إلَيْهِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ تَشَقُّقُ الطَّلْعِ. وَإِذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ. وَقِيلَ: إنَّ بَعْضَهُمْ خَالَفَ فِي هَذَا، وَقَالَ تَبْقَى الثِّمَارُ لِلْبَائِعِ، أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَاهَا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي: فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ. وَقَوْلُهُ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ» حَقِيقَتُهُ: اعْتِبَارُ التَّأْبِيرِ فِي الْمَبِيعِ حَقِيقَةً بِنَفْسِهِ. وَقَدْ أَجْرَى تَأْبِيرَ الْبَعْضِ مَجْرَى تَأْبِيرِ الْجَمِيعِ إذَا كَانَ فِي بُسْتَانٍ وَاحِدٍ، وَاتَّحَدَ النَّوْعُ، وَبَاعَهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالنَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْبَائِعِ، كَمَا لَوْ اتَّحَدَ النَّوْعُ، دَفْعًا لِضَرَرِ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مُفْرَدًا بِالْعَقْدِ بَعْدَ تَأْبِيرِ غَيْرِهِ فِي الْبُسْتَانِ: أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَبِيعِ شَيْءٌ مُؤَبَّرٌ فَيَقْتَضِي مَفْهُومُ الْحَدِيثِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْبَائِعِ. وَهَذَا أَصَحُّ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ. كَأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَبِرُ عَدَمَ التَّأْبِيرِ إذَا بِيعَ مَعَ الْمُؤَبَّرِ. فَيُجْعَلُ تَبَعًا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ. لَيْسَ هَهُنَا فِي الْمَبِيعِ شَيْءٌ مُؤَبَّرٌ. فَيُجْعَلُ غَيْرُهُ تَبَعًا. لَهُ.

وَأُدْخِلَ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْحَدِيثِ: مَا إذَا كَانَ التَّأْبِيرُ وَعَدَمُهُ فِي بُسْتَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَالْأَصَحُّ هَهُنَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِحُكْمِهِ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ لِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ تَأْثِيرًا فِي التَّأْبِيرِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ يَلْزَمُ ضَرَرُ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَقَوْلِهِ «مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ؛ لِإِضَافَةِ الْمَالِ إلَيْهِ بِاللَّامِ. وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>