للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ. فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ. قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ. فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي. فَلَمَّا بَلَغْتُ: أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ. فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ. فَأَرْسَلَ فِي إثْرِي. فَقَالَ: أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لَآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ. فَهُوَ لَكَ.»

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثٌ أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لَآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ]

فِي الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَمُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا بَيْعُهُ وَاسْتِثْنَاءُ حِمْلَانَهُ إلَى الْمَدِينَةِ: فَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ مِثْلَهُ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: الْمَنْعُ وَقِيلَ: بِالْجَوَازِ، تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ تَكُونُ مُسْتَثْنَاةَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: الْأَوَّلُ. وَاَلَّذِي يُعْتَذَرُ بِهِ عَنْ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا يُجْعَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ تَبَرُّعِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَمَلِ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ الشَّرْطُ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ. وَالشُّرُوطُ الْمُفْسِدَةُ: مَا تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ وَمَمْزُوجَةً بِهِ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مِمَّا يُمْنَعُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلَبِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ صَرِيحٌ فِي الِاشْتِرَاطِ، وَبَعْضُهَا لَا. فَيَقُولُ: إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ، وَكَانَتْ الْحُجَّةُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ: تَوَقَّفَ الِاحْتِجَاجُ. فَنَقُولُ: هَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ تَكَافُؤِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ تَقَارُبِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ التَّرْجِيحُ وَاقِعًا لِبَعْضِهَا - إمَّا؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ، أَوْ أَحْفَظُ - فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهَا. إذْ الْأَضْعَفُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَقْوَى، وَالْمَرْجُوحُ لَا يَدْفَعُ التَّمَسُّكَ بِالرَّاجِحِ. فَتَمَسَّك بِهَذَا الْأَصْلِ. فَإِنَّهُ نَافِعٌ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ. مِنْهَا: أَنَّ الْمُحْدِثِينَ يُعَلِّلُونَ الْحَدِيثَ بِالِاضْطِرَابِ " وَيَجْمَعُونَ الرِّوَايَاتِ الْعَدِيدَةِ. فَيَقُومُ فِي الذِّهْنِ مِنْهَا صُورَةٌ تُوجِبُ التَّضْعِيفَ. وَالْوَاجِبُ: أَنْ يُنْظَرَ إلَى تِلْكَ الطُّرُقِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>