للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ. فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ. وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ. فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» .

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثٌ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ]

وَفِي لَفْظٍ «فَإِنَّ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» هَذَا " الْحَمْلُ " تَمْلِيكٌ لِمَنْ أُعْطِيَ الْفَرَسَ، وَيَكُونُ مَعْنَى كَوْنِهِ " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ غَازِيًا. فَآلَ الْأَمْرُ بِتَمْلِيكِهِ: إلَى أَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِتَمْلِيكِهِ: أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا عَادَتُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيهِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ أَرَادَ بَيْعَهُ. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ: حَمْلَ تَحْبِيسٍ، لَمْ يَبِعْ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا حُبِسَ عَلَيْهِ. لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُشْعِرُ بِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَمْلُ تَحْبِيسٍ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ الْحَيَوَانِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمْلُ تَمْلِيكٍ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ " وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ " وَقَوْلُهُ " فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ". وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ: عَلَى مَنْعِ شِرَاءِ الصَّدَقَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ، أَوْ كَرَاهَتِهِ. وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ رُبَّمَا سَامَحَ الْمُتَصَدِّقَ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ تَقَدُّمِ إحْسَانِهِ إلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ رَاجِعًا فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي سُومِحَ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ، لِتَشْبِيهِهِ بِرُجُوعِ الْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ التَّنْفِيرِ. وَالْحَنَفِيَّةُ اعْتَذَرُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ رُجُوعَ الْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. فَالتَّشْبِيهُ وَقَعَ بِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ فِي الطَّبِيعَةِ، لِتَثْبُتَ بِهِ الْكَرَاهَةَ فِي الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ وَقَعَ التَّشْدِيدُ فِي التَّشْبِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَشْبِيهُ الرَّاجِعِ بِالْكَلْبِ.

وَالثَّانِي: تَشْبِيهُ الْمَرْجُوعِ فِيهِ بِالْقَيْءِ.

وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ رُجُوعَ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْهِبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>