للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ]

فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَة هُوَ الْقَسَمُ بِهِ وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ " وَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ "، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى كَذَا، وَمُرَادُهُمْ: تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهِ وَهَذَا مَجَازٌ وَكَأَنَّ سَبَبَهُ مُشَابَهَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ بِالْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحِنْثِ أَوْ الْمَنْعِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الثَّانِي، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي، لِأَجْلِ قَوْلِهِ " كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا " وَالْكَذِبُ يَدْخُلُ الْقَضِيَّةَ الْإِخْبَارِيَّةَ الَّتِي يَقَعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً، وَتَارَةً لَا يَقَعُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " وَاَللَّهِ " وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهِيَ لِلْإِنْشَاءِ - أَعْنِي إنْشَاءَ الْقَسَمِ - فَتَكُونُ صُورَةُ هَذَا الْيَمِين عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ " إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ ".

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَاضِي، مِثْل أَنْ يَقُولَ " إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ". فَأَمَّا الْأَوَّلُ - وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ - فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْأَوَّلُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً، وَجَعَلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " هُوَ كَمَا قَالَ ". وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَ بِالْمَاضِي: فَقَدْ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ. فَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ وَقِيلَ: يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ " هُوَ يَهُودِيٌّ "، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ فِيهِمَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُكَفَّرُ بِالْحَلِفِ يُكَفَّرْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ، حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ.

[مَسْأَلَة مُجَانَسَةِ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ لِلْجِنَايَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ] ١

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هَذَا مِنْ بَابِ مُجَانَسَةِ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ لِلْجِنَايَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا إلَّا أُذِنَ لَهُ فِيهِ. قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>