للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.»

ــ

[إحكام الأحكام]

[حَدِيثُ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ]

فِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: قَدْ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَعَلَيْهِ أَيْضًا يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١] وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ " كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ " فَالْكَبَائِرُ وَالذُّنُوبُ عِنْدَهُ مُتَوَارِدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الذُّنُوبِ. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ: عَلَى خِلَافِهِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَ " الْكَبِيرَة " بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَنَظَرَ إلَى عِظَمِ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَسَمَّى كُلَّ ذَنْبٍ كَبِيرَةً.

[مَسْأَلَة انْقِسَامِ الْكَبَائِرِ فِي عِظَمِهَا إلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ] ١

الثَّانِيَةُ: يَدُلُّ عَلَى انْقِسَامِ الْكَبَائِرِ فِي عِظَمِهَا إلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " وَذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ: اسْتِوَاءُ رُتَبِهَا أَيْضًا فِي نَفْسِهَا فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ: أَعْظَمُ كَبِيرَةٍ مِنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنْ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا الْكَبَائِرَ.

[مَسْأَلَة اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبَائِر] ١

الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبَائِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَدَ تَعْرِيفَهَا بِتَعْدَادِهَا وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَعْدَادًا مِنْ الذُّنُوبِ، وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَلْيَجْمَعْ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ الْحَصْرِ وَمِنْ هَذَا قِيلَ: إنَّ بَعْضَ السَّلَفِ قِيلَ لَهُ " إنَّهَا سَبْعٌ " فَقَالَ " إنَّهَا إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ ". وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْحَصْرِ بِالضَّوَابِطِ فَقِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّ كُلَّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ لَعْنٌ، أَوْ حَدٌّ: فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ، فَتَغْيِيرُ مَنَارِ الْأَرْضِ: كَبِيرَةٌ لِاقْتِرَانِ اللَّعْنِ بِهِ وَكَذَا قَتْلُ الْمُؤْمِنِ، لِاقْتِرَانِ الْوَعِيدِ بِهِ وَالْمُحَارَبَةُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ وَالْقَذْفُ، كَبَائِرُ، لِاقْتِرَانِ الْحُدُودِ بِهَا، وَاللَّعْنَةِ بِبَعْضِهَا. وَسَلَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ طَرِيقًا فَقَالَ: إذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ: فَأَعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ، فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ، أَوْ أَرْبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَعَدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>