للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السُّكْنَى لَا يُؤَجِّرُ وَيُعِيرُ، وَالشَّافِعِيَّةُ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ: أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ الْإِجَارَةَ وَالْإِعَارَةَ، وَمَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ مَلَكَ الْإِعَارَةَ لَا الْإِجَارَةَ، وَيَجْعَلُونَ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَالِكًا لِلِانْتِفَاعِ فَقَطْ، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ لَا تَمْلِيكُهَا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ تَمَلُّكُ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعِوَضٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْإِجَارَةَ لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ، فَإِنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِلَا عِوَضٍ فَيَمْلِكُهَا نَظِيرَ مِلْكٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا لَلَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ الْجَائِزَيْنِ: لُزُومُ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ الْإِجَارَةِ.

وَهَذَانِ التَّعْلِيلَانِ يَشْمَلَانِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَعِيرَ وَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى الرَّاجِحِ، فَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى الْمَنْفَعَةَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَقِيلَ: إنَّ مَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَانَ لَهُ الْإِعَارَةُ.

وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْوَقْفِ.

وَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْمُقْطَعُ مَا أَقَطَعَهُ الْإِمَامُ؛ فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا بِصِحَّتِهَا، قَالَ: وَلَا أَثَرَ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الْإِمَامِ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فِي أَثْنَائِهَا؛ وَلَا لِكَوْنِهِ مَلَكَ مَنْفَعَةً لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ؛ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْإِقْطَاعِ بِمُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أَعَدَّ لَهُ لَا نَظِيرَ الْمُسْتَعِيرِ لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ عَنْ الْمُقْطَعِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِ الْمُؤَاجِرِ.

كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي النَّظَائِرِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ، وَهِيَ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدُ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً،

وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ (انْتَهَى) .

وَقَدْ أَلَّفْتُ رِسَالَةً فِي الْإِقْطَاعَاتِ وَأُخْرَى سَمَّيْتُهَا التُّحْفَةُ الْمَرْضِيَّةُ فِي (الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ) وَفِيمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ الْإِقْطَاعَ عَنْ الْمُقْطِعِ مَتَى شَاءَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَقَطَعَهُ أَرْضًا عَامِرَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا أَقَطَعَهُ مَوَاتًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَأَحْيَاهَا، لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ.

الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ

وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِأَنَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ يَحْدُثُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَإِيفَاؤُهُ وَاسْتِيفَاؤُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <   >  >>