للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَاللَّغْوِ السَّاقِطِ.

قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِتَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ: إِنَّمَا اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ الْقِصَّةَ لِاشْتِهَارِهَا وَلِكَوْنِهِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو - فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ - وَفِي الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ، وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ. وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَنْهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ طَرَدَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ دُخُولِ أَصْحَابِ الْحِرَابِ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا دُخُولُ الْمُشْرِكِ.

٦٩ - بَاب أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ

٤٥٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لعبهم.

[الحديث ٥٤٥ - أطرافه في: ٥٢٣٦، ٥١٩٠، ٣٩٣١، ٣٥٢٩، ٢٩٠٦، ٩٨٨، ٩٥٠، ٤٥٥]

٤٥٥ - زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ) الْحِرَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ جَمْعُ حَرْبَةٍ، وَالْمُرَادُ جَوَازُ دُخُولِهِمْ فِيهِ وَنِصَالُ حِرَابِهِمْ مَشْهُورَةٌ، وَأَظُنُّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّصْلِ غَيْرِ مَغْمُودٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّحَفُّظَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ صُورَةُ اللَّعِبِ بِالْحِرَابِ سَهْلٌ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمُرُورِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُتَحَفَّظُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ: (عَنْ صَالِحٍ) هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَوْمًا فِي بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ) فِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ اللَّعِبَ بِالْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَالسَّنَةِ: أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِمَا ادَّعَاهُ، وَلَا عُرِفَ التَّارِيخُ فَيَثْبُتُ النَّسْخُ.

وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَعِبَهُمْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ عَائِشَةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ لَعِبَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ دَعْهُمْ. وَاللَّعِبُ بِالْحِرَابِ لَيْسَ لَعِبًا مُجَرَّدًا بَلْ فِيهِ تَدْرِيبُ الشُّجْعَانِ عَلَى مَوَاقِعِ الْحُرُوبِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَدُوِّ. وَقَالَ الْمُهَلِّبُ: الْمَسْجِدُ مَوْضُوعٌ لِأَمْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ يَجْمَعُ مَنْفَعَةَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ جَازَ فِيهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى اللَّهْوِ الْمُبَاحِ، وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِهِ مَعَ أَهْلِهِ، وَكَرْمِ مُعَاشَرَتِهِ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ وَعَظِيمُ مَحَلِّهَا عِنْدَهُ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.