للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيُسْرِ مَرْفُوعًا مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَهَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ غَيْرُ السَّبْعَةِ الْمَاضِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ الْمَذْكُورَ لَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَدْ أَلْقَيْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْعَالِمِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَطَاءٍ الرَّازِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْهَرَوِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَادَّعَى أَنَّهُ يَحْفَظُ صَحِيحَ مُسْلِمٍ، فَسَأَلْتُهُ بِحَضْرَةِ الْمَلِكِ الْمُؤَيَّدِ عَنْ هَذَا وَعَنْ غَيْرِهِ فَمَا اسْتَحْضَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ تَتَبَّعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَزَادَتْ عَلَى عَشْرِ خِصَالٍ، وَقَدِ انْتَقَيْتُ مِنْهَا سَبْعَةً وَرَدَتْ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ وَنَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ تَذْيِيلًا عَلَى بَيْتَيْ أَبِي شَامَةَ وَهُمَا: وَزِدْ سَبْعَةً: إِظْلَالَ غَازٍ وَعَوْنَهُ … وَإِنْظَارَ ذِي عُسْرٍ وَتَخْفِيفَ حِمْلِهِ

وَإِرْفَادَ ذِي غُرْمٍ وَعَوْنَ مُكَاتَبٍ … وَتَاجِرَ صِدْقٍ فِي الْمَقَالِ وَفِعْلِهِ

فَأَمَّا إِظْلَالُ الْغَازِي فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَأَمَّا عَوْنُ الْمُجَاهِدِ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَهْمِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَأَمَّا إِنْظَارُ الْمُعْسِرِ وَالْوَضِيعَةُ عَنْهُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إِرْفَادُ الْغَارِمِ وَعَوْنُ الْمُكَاتِبِ فَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا التَّاجِرُ الصَّدُوقُ فَرَوَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، وَأَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَظَمْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقُلْتُ فِي السَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ:

وَتَحْسِينَ خُلْقٍ مَعْ إِعَانَةِ غَارِمٍ … خَفِيفَ يَدٍ حَتَّى مُكَاتِبَ أَهْلِهِ

وَحَدِيثُ تَحْسِينِ الْخُلُقِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ تَتَبَّعْتُ ذَلِكَ فَجَمَعْتُ سَبْعَةً أُخْرَى وَنَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا:

وَزِدْ سَبْعَةً: حُزْنٌ وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ … وَكُرْهُ وُضُوءٍ ثُمَّ مُطْعِمُ فَضْلِهِ

وَآخِذُ حَقٍّ بَاذِلٍ ثُمَّ كَافِلٍ … وَتَاجِرُ صِدْقٍ فِي الْمَقَالِ وَفِعْلِهِ

ثُمَّ تَتَبَّعْتُ ذَلِكَ فَجَمَعْتُ سَبْعَةً أُخْرَى، وَلَكِنَّ أَحَادِيثَهَا ضَعِيفَةٌ وَقُلْتُ فِي آخِرِ الْبَيْتِ: تُرَبَّعُ بِهِ السَّبْعَاتُ مِنْ فَيْضِ فَضْلِهِ. وَقَدْ أَوْرَدْتُ الْجَمِيعَ فِي الْأَمَالِي، وَقَدْ أَفْرَدْتُهُ فِي جُزْءٍ سَمَّيْتُهُ مَعْرِفَةَ الْخِصَالِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الظِّلَالِ.

قَوْلُهُ: (فِي ظِلِّهِ) قَالَ عِيَاضٌ: إِضَافَةُ الظِّلِّ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ مِلْكٍ، وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ مِلْكُهُ. كَذَا قَالَ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ، لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا قِيلَ لِلْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا مِلْكُهُ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِظِلِّهِ كَرَامَتُهُ وَحِمَايَتُهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَوَّاهُ عِيَاضٌ، وَقِيلَ الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلْمَانَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ ظِلَّ الْعَرْشِ اسْتَلْزَمَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَهُوَ أَرْجَحُ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ. ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ ظِلُّ طُوبَى أَوْ ظِلُّ الْجَنَّةِ لِأَنَّ ظِلَّهُمَا إِنَّمَا يَحْصُلُ ثَمَّ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ. ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ لِجَمِيعِ مَنْ يَدْخُلُهَا، وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى امْتِيَازِ أَصْحَابِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ، فَيُرَجَّحُ أَنَّ الْمُرَادَ ظِلُّ الْعَرْشِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ.

قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ الْعَادِلُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْعَدْلِ قَالَ: وَهُوَ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا، وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى، وَيَلْتَحِقُ بِهِ