للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ. هَذَا يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، انْتَهَى. وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا. وَنَازَعَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَقَالَ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا، فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاةِ وَإِبْطَالِهَا لِعُذْرٍ.

قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّ مُعَاذًا يَنَالُ مِنْهُ) وَلِلْمُسْتَمْلِي: تَنَاوَلَ مِنْهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: فَكَأَنَّ - بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ - مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ وَالْأُولَى تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَى يَنَالُ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ: ذَكَرَهُ بِسُوءٍ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَفْظُهُ: فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَذَا لِأَبِي الزُّبَيْرِ، وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَلَأُخْبِرَنَّهُ وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُ مُعَاذٍ لِلرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ) بَيَّنَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا مُحَارِبٌ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَئِنْ أَصْبَحْتُ لَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمِلْتُ عَلَى نَاضِحٍ لِي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى، فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: فَتَّانٌ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ زَادَ مُحَارِبٌ: ثَلَاثًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ: فَاتِنًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا؟ وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الْمُتَقَدِّمِ: يَا مُعَاذُ، لَا تَكُنْ فَاتِنًا، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ، وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ هَاهُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّهِ عِبَادَهُ (١)، يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ الصَّلَاةَ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: فَتَّانٌ، أَيْ: مُعَذِّبٌ؛ لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِالتَّطْوِيلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ، قَالَ عَمْرٌو) أَيِ: ابْنُ دِينَارٍ (لَا أَحْفَظُهُمَا) وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ تَحْدِيثِهِ لِشُعْبَةَ، وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَمْرٍو: اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوَهَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَبِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا، وَجَزَمَ بِذَلِكَ مُحَارِبٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: وَالضُّحَى، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ أَقْوَالٌ سَتَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: (أَوْسَطُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُتَوَسِّطَ وَالسُّوَرَ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا مِنْ قِصَارِ الْمُتَوَسِّطِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُعْتَدِلَ، أَيِ: الْمُنَاسِبَ لِلْحَالِ مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْلَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، زَادَ:


(١) في مخطوطة الرياض "لا تبغض الله إلى عباده".