للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَخْذُ بِحَدِيثِ مَنْ أَثْبَتَ الْجَهْرَ (١). وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا.

وَتَرْجَمَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ إِبَاحَةُ الْإِسْرَارِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِبَاحَتِهِ بَلْ فِي اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَرْكِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ، وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ بَيَانُ مَا يَفْتَتِحُ بِهِ الْقِرَاءَةَ، فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ ذِكْرُ عُثْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ، وَهِشَامٍ، والْأَوْزَاعِيِّ. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى رِوَايَتِهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ.

٧٤٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً - فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ) هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ.

قَوْلُهُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْكُتُ) ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ السُّكُوتِ، وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِسْكَاتِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ تَكَلَّمَ الرَّجُلُ ثُمَّ سَكَتَ بِغَيْرِ أَلِفٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ كَلَامُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ قُلْتُ: أَسْكَتَ.

قَوْلُهُ: (إِسْكَاتَةً) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِوَزْنِ إِفْعَالَةٍ مِنَ السُّكُوتِ، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الشَّاذَّةِ نَحْوُ أُثْبِتُهُ إِثْبَاتَةً، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ سُكُوتٌ يَقْتَضِي بَعْدَهُ كَلَامًا مَعَ قِصَرِ الْمُدَّةِ فِيهِ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ السُّكُوتَ عَنِ الْجَهْرِ لَا عَنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ، أَوِ السُّكُوتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَا عَنِ الذِّكْرِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً) هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِالظَّنِّ، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَابْنُ فُضَيْلٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: سَكَتَ هُنَيَّةً بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ - بَدَلَ إِسْكَاتَةٍ - هُنَيَّةً. قُلْتُ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكَّ هَلْ وَصَفَ الْإِسْكَاتَةَ بِكَوْنِهَا هُنَيَّةً أَمْ لَا، وَهُنَيَّةٌ بِالنُّونِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ، وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالُوهُ بِالْهَمْزَةِ، وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ: الْهَمْزُ خَطَأٌ. قَالَ: وَأَصْلُهُ هَنْوَةٌ فَلَمَّا صُغِّرَ صَارَ هُنَيْوَةً فَاجْتَمَعَتْ وَاوٌ وَيَاءٌ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ. قَالَ غَيْرُهُ: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إِجَازَةَ الْهَمْزِ، فَقَدْ تُقْلَبُ الْيَاءُ هَمْزَةً. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَيْهَةً بِقَلْبِهَا هَاءً، وَهِيَ رِوَايَةُ إِسْحَاقَ، وَالْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ جَرِيرٍ.

قَوْلُهُ: (بِأَبِي وَأُمِّي) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ وَالتَّقْدِيرُ أَنْتَ مَفْدِيٌّ أَوْ أَفْدِيكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ.

قَوْلُهُ: (إِسْكَاتُكَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَقَالَ الْمُظَهَّرِيُّ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ: هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَسْأَلُكُ إسْكَاتَكَ، أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. انْتَهَى.

وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ السِّينِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: مَا تَقُولُ فِي سَكْتَتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلِمُسْلِمٍ: أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ وَكُلُّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا لِكَوْنِهِ قَالَ مَا تَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ تَقُولُ؟ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْقَوْلِ بِحَرَكَةِ الْفَمِ كَمَا اسْتَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِاضْطِرَابِ اللِّحْيَةِ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ بَعْدَ بَابٍ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ السَّكْتَةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ


(١) هذا فيه نظر، والصواب تقديم مادل عليه حديث أنس من شرعية الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة. وكونه نسي ذلك ثم ذكره لايقدح في روايته كما علم ذلك في الأصول والمصطلح. وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النبي ﷺ كان يجهر بها في بعض الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها، وبهذا تجتمع الأحاديث، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ما دل عليه حديث أنس من شرعية الإسرار بالبسملة، والله أعلم