للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقِيلَ مَا عَدَا السَّبْعَ الطِّوَالَ إِلَى الْمُفَصَّلِ، قِيلَ سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا ثَنَّيتِ السَّبْعَ، وَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ الْمَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ صَلَاةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷾: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ فَالْمُرَادُ بِهَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَرَأَ الْأَحْنَفُ) وَصَلَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا الْأَحْنَفُ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: فِي الثَّانِيَةِ يُونُسُ وَلَمْ يَشُكَّ. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ كَذَلِكَ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.

قَوْلُهُ: (وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (١) بِلَفْظِ: فَافْتَتَحَ الْأَنْفَالَ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾. انْتَهَى.

وَهَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ رَأْسُ أَرْبَعِينَ آيَةً، فَالرِّوَايَتَانِ مُتَوَافِقَتَانِ، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ قَرَأَ بِأَرْبَعِينَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَانْدَفَعَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى قِرَاءَةِ خَاتِمَةِ السُّورَةِ بِخِلَافِ الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ. قَالَ ابْنُ التِّينِ إِنْ لَمْ تُؤْخَذِ الْقِرَاءَةُ بِالْخَوَاتِمِ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ أَوِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِلَّا فَلَمْ يَأْتِ الْبُخَارِيُّ بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ، وَفَاتَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْإِلْحَاقِ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِ قَتَادَةَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ قَتَادَةُ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَتَادَةُ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ يُسْتَدَلُّ لِقَوْلِهِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ قَوْلَهُ: (كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ) فَإِنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ قَتَادَةَ فِي تَرْدِيدِ السُّورَةِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: لَعَلَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ، لِمَا رُوِيَ فِيهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى هَذَا الْقَدْرُ إِذَا صَحَّ لَهُ الدَّلِيلُ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنْ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِسُورَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لِكُلِّ سُورَةٍ حَظُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: وَلَا تُقْسَمُ السُّورَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ، وَلَا يَقْرَأُ بِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ يُخَالِفُ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ، قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ: وَجَمِيعُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَ مَالِكٌ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سُورَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَعَنْ أَحْمَدَ وَالْحَنَفِيَّةِ كَرَاهِيَةُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ تُخَالِفُ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ رَتَّبَهُ الصَّحَابَةُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: الصَّحِيحُ الثَّانِي، وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فَتَوْقِيفِيٌّ بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ؛ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّكْرِيرَ أَخَفُّ مِنْ قَسْمِ السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى.

وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ السُّورَةَ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَأَيُّ مَوْضِعٍ قَطَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ كَانْتِهَائِهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ غَيْرِ تَامٍّ كَانَتِ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرَةً، وَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ تَامٍّ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ قِصَّةُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي رَمَاهُ الْعَدُوُّ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَقَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَهَا وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ (٢).

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) أَيِ ابْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَزَّارُ، عَنِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحْرِزِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيز الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْهُ بِطُولِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ آخِرِهِ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ،


(١) في المخطوطة "عبد الرحمن".
(٢) لكن سبق قريبا مايدل على عدم كراهة قسم السورة في ركعتين" فتنبه.