للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هُرَيْرَةَ يُؤَذِّنُ لِمَرْوَانَ، فَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالضَّالِّينَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَشْتَغِلُ بِالْإِقَامَةِ وَتَعْدِيلِ الصُّفُوفِ، وَكَانَ مَرْوَانُ يُبَادِرُ إِلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ مَرْوَانَ: فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِبنَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مُؤَذِّنًا بِالْبَحْرَيْنِ وَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِآمِينَ، وَالْإِمَامُ بِالْبَحْرَيْنِ كَانَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، بَيَّنَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ.

وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَسْتَبِقْنِي بِآمِينَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. لَكِنْ قِيلَ إِنَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَلْقَ بِلَالًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ بِلَالًا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِرْسَالِ، وَرَجَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَوْصُولِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُضَعِّفُ التَّأْوِيلَ السَّابِقَ لِأَنَّ بِلَالًا لَا يَقَعُ مِنْهُ مَا حَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَسَبَبُهَا مُحْتَمَلٌ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مُنَاسَبَةُ قَوْلِ عَطَاءٍ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الدَّاعِي، بِخِلَافِ قَوْلِ الْمَانِعِ إِنَّهَا جَوَابٌ لِلدُّعَاءِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَأْمُومِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّأْمِينَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّلْخِيصِ بَعْدَ الْبَسْطِ، فَالدَّاعِي فَصَّلَ الْمَقَاصِدَ بِقَوْلِهِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إِلَى آخِرِهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَتَى بِكَلِمَةٍ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَإِنْ قَالَهَا الْإِمَامُ فَكَأَنَّهُ دَعَا مَرَّتَيْنِ مُفَصِّلًا ثُمَّ مُجْمِلًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ نَافِعٌ إِلَخْ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَتَمَ أُمَّ الْقُرْآنِ قَالَ آمِينَ لَا يَدَعُ أَنْ يُؤَمِّنَ إِذَا خَتَمَهَا وَيَحُضُّهُمْ عَلَى قَوْلِهَا، قَالَ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا.

وَقَوْلُهُ: (وَيَحُضُّهُمْ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَوْلُهُ: (خَيْرًا) بِسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ فَضْلًا وَثَوَابًا وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِ خَبَرًا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَيُشْعِرُ بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَمَّنَ النَّاسُ أَمَّنَ مَعَهُمْ وَيَرَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ. وَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمُنَاسَبَةُ أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَمِّنُ إِذَا خَتَمَ الْفَاتِحَةَ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَهُمَا وَاحِدٌ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُغَايَرَةٌ يَسِيرَةٌ لِلَفْظِ الزُّهْرِيِّ.

قَوْلُهُ: (إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّنُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا دَعَا، وَالْمُرَادُ دُعَاءُ الْفَاتِحَةِ مِنْ قَوْلِهِ: (اهْدِنَا) إِلَى آخِرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا بَلَغَ إِلَى مَوْضِعٍ اسْتَدْعَى التَّأْمِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾ وَيَرِدُ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّأْمِينِ لِلْإِمَامِ، قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِكَوْنِهَا قَضِيَّةً شَرْطِيَّةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِإِذَا يُشْعِرُ بِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ، وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ: لَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا.

وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَهِيَ عِلَّةٌ غَيْرُ قَادِحَةٍ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ إِمَامٌ لَا يَضُرُّهُ التَّفَرُّدُ، مَعَ مَا سَيُذْكَرُ قَرِيبًا أَنَّ ذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَوْنَ الْإِمَامِ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ دَاعٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَأْمُومُ بِالتَّأْمِينِ، وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا اشْتَرَكَا فِي الْقِرَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِكَا فِي التَّأْمِينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ دَعَا، قَالَ وَتَسْمِيَةُ الدَّاعِي مُؤَمِّنًا سَائِغَةٌ لِأَنَّ الْمُؤَمِّنَ يُسَمَّى دَاعِيًا كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ وَكَانَ مُوسَى دَاعِيًا وَهَارُونُ مُؤَمِّنًا كَمَا رَوَاهُ