للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلِهِ: مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ظَهَرَ مِنَ الْأَخْذِ بِالزِّيَادَةِ فِيهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ الْمُسْتَثْنَى الْقِيَامُ لِلْقِرَاءَةِ، وَكَذَا الْقُعُودُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ طَوِيلٌ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي الَّذِي قَبْلَهُ أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ نَصٌّ فِيهِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ؛ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَمْ يُسَنَّ فِيهِ تَكْرِيرُ التَّسْبِيحَاتِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَأَيْضًا فَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ فِي الِاعْتِدَالِ أَطْوَلُ مِنَ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الرُّكُوعِ، فَتَكْرِيرُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا يَجِيءُ قَدْرَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَقَدْ شُرِعَ فِي الِاعْتِدَالِ ذِكْرٌ أَطْوَلُ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مِلْءَ السَّماوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ.

زَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ إِلَخْ، وَزَادَ فِي حَدِيثٍ الْآخَرَيْنِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إِلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ تَرْكُ إِنْكَارِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى مَنْ زَادَ فِي الِاعْتِدَالِ ذِكْرًا غَيْرَ مَأْثُورٍ، وَمنْ ثَمَّ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ جَوَازَ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِالذِّكْرِ خِلَافًا لِلْمُرَجَّحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ ﷺ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ بِالْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَرَأَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ أَنْ قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ صَعْبٌ، وَالْأَقْوَى جَوَازُ الْإِطَالَةِ بِالذِّكْرِ اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ؛ فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ كَيْفَ الْقِيَامُ مِنَ الرُّكُوعِ: وَلَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ بِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ يَدْعُو أَوْ سَاهِيًا وَهُوَ لَا يَنْوِي بِهِ الْقُنُوتَ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا إِعَادَةَ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ. فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُصَحِّحُ مَعَ هَذَا بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ، وَتَوْجِيهُهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أُطِيلَ انْتَفَتِ الْمُوَالَاةُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ فَصْلٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَرْكَانِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَا يَصِحُّ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ لَيْسَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ بِقَدْرِ قِيَامِهِ وَكَذَا السُّجُودُ وَالِاعْتِدَالُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ قَرِيبًا مُعْتَدِلَةً؛ فَكَانَ إِذَا أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَطَالَ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ، وَإِذَا أَخَفَّهَا أَخَفَّ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالصَّافَّاتِ، وَثَبَتَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ حَزَرُوا فِي السُّجُودِ قَدْرَ عَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ بِدُونِ الصَّافَّاتِ اقْتَصَرَ عَلَى دُونِ الْعَشْرِ، وَأَقَلُّهُ كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ.

قَوْلُهُ: (كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَامَ، وَالْأَوَّلُ يُشْعِرُ بِتَكْرِيرِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ. وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَأَنْصت) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهَمْزَةٍ مَقْطُوعَةٍ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ خَفِيفَةٌ. وَلِلْبَاقِينَ بِأَلِفٍ مَوْصُولَةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ضَبَطَهُ بِالْمُثَنَّاةِ الْمُشَدَّدَةِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ أَصْلَهُ انْصَوَتَ فَأَبْدَلَ مِنَ الْوَاوِ تَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَقِيَاسُ إِعْلَالِهِ إنْصَاتَ تَحَرَّكَتِ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا، قَالَ: وَمَعْنَى إنْصَاتَ اسْتَوَتْ قَامَتُهُ بَعْدَ الِانْحِنَاءِ كَأَنَّهُ أَقْبَلَ شَبَابُهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَعَمْرُو بْنُ دَهْمَانَ الْهُنَيْدَةَ عَاشَهَا … وَتِسْعِينَ عَامًا ثُمَّ قَوَّمَ فَأنْصَاتَا

وَعَادَ سَوَادُ الرَّأْسِ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ … وَعَاوَدَهُ شَرْخُ الشَّبَابِ الَّذِي فَاتَا

اهـ. وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ نَقَلَ عَنِ ابْنِ التِّينِ - وَهُوَ السَّفَاقُسِيُّ - أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ فَقَدْ صَحَّفَ، وَمَعْنَى رِوَايَةِ