للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُرْسَلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمُخَاطَبَةُ دَارَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِقِيلَ لَهَا إِلَخْ، وَهَذَا مُقْتَضَى مَا صَنَعَ الْحُمَيْدِيُّ وَأَصْحَابُ الْأَطْرَافِ، فَإِنَّهُمْ أَخْرَجُوا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ مُسْتَوْفًى قُبَيْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ.

(تَنْبِيهٌ): قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِذْنَ إِنَّمَا وَقَعَ لَهُنَّ بِاللَّيْلِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ: وَرِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، يَعْنِي قَوْلَهُ فِيهَا: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ جَنَحَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٤ - بَاب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ

٩٠١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ) ضُبِطَ فِي رِوَايَتِنَا بِكَسْرِ إِنْ وَهِيَ الشَّرْطِيَّةُ، وَيَحْضُرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيِ الرَّجُلُ. وَضَبَطَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِفَتْحِ أَنْ وَيَحْضُرُ بِلَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ أَيْضًا. وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَطَرِ وَكَثِيرِهِ. وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا بِالْمَطَرِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا حُجَّةٌ فِي الْجَوَازِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى الْعَصْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَقَدْ جَمَعَهُمْ لَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمَّعَ بِهِمْ فِيهَا. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمَّعَهُمْ لِلْجُمُعَةِ لِيُعْلِمَهُمْ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِيَعْمَلُوا بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يُجَمِّعْهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ مُخَاطَبَةَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَتَعْلِيمَ مَنْ حَضَرَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ) اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: لَا أَخَالُهُ صَحِيحًا، فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: إِنَّهَا عَزْمَةٌ أَيْ: كَلِمَةُ الْمُؤَذِّنِ وَهِيَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا دُعَاءٌ إِلَى الصَّلَاةِ تَقْتَضِي لِسَامِعِهِ الْإِجَابَةَ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْجُمُعَةُ عَزْمَةٌ لَكَانَتْ الْعَزِيمَةُ لَا تَزُولُ بِتَرْكِ بَقِيَّةِ الْأَذَانِ. انْتَهَى.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بَقِيَّةَ الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ أَيْ: فَلَوْ تَرَكْتَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، لَبَادَرَ مَنْ سَمِعَهُ إِلَى الْمَجِيءِ فِي الْمَطَرِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يَقُولَ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْمَطَرَ مِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُصِيرُ الْعَزِيمَةَ رُخْصَةً.

قَوْلُهُ: (وَالدَّحْضُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَيَجُوزُ فَتْحُهَا - وَآخِرِهِ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ هُوَ الزَّلِقُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِالرَّاءِ بَدَلَ الدَّالِ وَهُوَ الْغُسْلُ، قَالَ: وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ حِينَ أَصَابَهَا الْمَطَرُ كَالْمُغْتَسَلِ وَالْجَامِعِ بَيْنَهُمَا الزَّلِقُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ الْحَدِيثِ فِي أَبْوَابِ الْأَذَانِ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي السِّيَاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَنْكَرَهُ الدِّمْيَاطِيُّ فَقَالَ: كَانَ زَوْجَ