للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَالْقَهْقَرَى بِالْقَصْرِ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ. وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقَدُّمَ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى جَنْبِ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَادَ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ

قَوْلُهُ: (وَلِتَعَلَّمُوا) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لِتَتَعَلَّمُوا، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي صَلَاتِهِ فِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ لِيَرَاهُ مَنْ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ رُؤْيَتُهُ إِذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا يُخَالِفُ الْعَادَةَ أَنْ يُبَيِّنَ حِكْمَتَهُ لِأَصْحَابِهِ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِكُلِّ خَطِيبٍ خَلِيفَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَفِيهِ جَوَازُ قَصْدِ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْفِعْلِ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْكَثِيرُ إِنْ تَفَرَّقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَكَذَا فِي جَوَازِ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَةِ الْخَطِيبِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ، وَاسْتِحْبَابُ الِافْتِتَاحِ بِالصَّلَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَدِيدٍ (١) إِمَّا شُكْرًا وَإِمَّا تَبَرُّكًا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنْ كَانَ الْخَطِيبُ هُوَ الْخَلِيفَةَ فَسُنَّتُهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ. وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ وَلِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَهُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ بِالْبِدْعَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ.

قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ حِكْمَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، أَشَارَ بِهَا إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ثُمَّ لِمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَنْ يُشْرَعَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ وُجُودُ الِاشْتِرَاكِ فِي وَعْظِ السَّامِعِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ بَعْضَ أُمُورِ الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَا.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ أَنَسٍ هُوَ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَنُسِبَ فِي هَذِهِ إِلَى جَدِّهِ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ: إِنَّمَا أَبْهَمَ الْبُخَارِيُّ، حَفْصًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ فَيَقْلِبُهُ. قُلْتُ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ فَقَالَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَلَبَهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: الصَّوَابُ فِيهِ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ، وَلَا يَصِحُّ عُبَيْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (أَصْوَاتِ الْعِشَارِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعِشَارُ جَمْعُ عُشَرَاءَ بِالضَّمِّ ثُمَّ الْفَتْحِ وَهِيَ النَّاقَةُ الْحَامِلُ الَّتِي مَضَتْ لَهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمَهَا إِلَى أَنْ تَلِدَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعِشَارُ الْحَوَامِلُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي قَارَبَتِ الْوِلَادَةَ. وَيُقَالُ: اللَّوَاتِي أَتَى عَلَى حَمْلِهِنَّ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، يُقَالُ: نَاقَةٌ عُشَرَاءُ وَنُوقٌ عِشَارٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْجِذْعِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) أَمَّا سُلَيْمَانُ فَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَأَمَّا يَحْيَى فَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ قَالَ فِيهِ عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرٍ كَذَلِكَ


(١) في هذا الإستنباط نظر، لأن النبي صرح في هذا الحديث أنه صلى على المنبر ليأتم به الناس ويتعلموا منه ولو كان صلى عليه للذي استنبطه الشارح لبينه. والله أعلم