للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَفْظُ هَذَا وَإِنَّ (١) وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِينَ لَهَا بِلَفْظِ وَبَعْدُ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّرَ بِهَا كَلَامَهُ فَيَقُولُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَمَّا بَعْدُ حَمْدِ اللَّهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَلَا حَجْرَ فِي ذَلِكَ.

وَقَدْ تَتَبَّعَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا أَمَّا بَعْدُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ فِي خُطْبَةِ الْأَرْبَعِينَ الْمُتَبَايِنَةِ لَهُ فَأَخْرَجَهُ عَنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا. مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ كَانَ النَّبِيُّ إِذَا خَطَبَ خُطْبَةً قَالَ: أَمَّا بَعْدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَظَاهِرُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ.

٣٠ - بَاب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

٩٢٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَلَا عُمُومَ لَهُ اهـ. وَلَا اخْتِصَاصَ بِذَلِكَ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا كَمَا يَقُولُ بِهِ فِي أَصْلِ الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهُ: (يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُهُمَا قَائِمًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَلَفْظُهُ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ وَلِلنَّسَائِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ وَغَفَلَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ فَعَزَا هَذَا اللَّفْظَ لِلصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ: كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَالَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا كَلَامَ فِيهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ أَوْ يَدْعُوَهُ سِرًّا. وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي إِيجَابِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ إِقَامَةَ الْخُطْبَتَيْنِ دَاخِلٌ تَحْتَ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ. وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ نَقَلَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ عَارَضَ الشَّافِعِيَّ بِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ مُوَاظَبَتُهُ دَلِيلًا عَلَى شَرْطِيَّةِ الْجِلْسَةِ الْوُسْطَى فَلْتَكُنْ دَلِيلًا عَلَى شَرْطِيَّةِ الْجِلْسَةِ الْأُولَى، وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ جُلَّ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَتْ فِيهَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ الْأُولَى وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ الْمُضَعَّفِ فَلَمْ تَثْبُتِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الَّتِي بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: لَمْ يُوجِبْهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهَا جِلْسَةٌ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَلَمْ تَجِبْ، وَقَدَّرَهَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا بِقَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَبِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ. وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَتِهَا فَقِيلَ: لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ: لِلرَّاحَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - يَكْفِي السُّكُوتُ بِقَدْرِهَا، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَنْ خَطَبَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ. وَقَدْ أَلْزَمَ الطَّحَاوِيُّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يُوجِبَ الْقِيَامَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.


(١) يشير الشارح بهذا إلى قوله تعالى في سورة ص ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ ومقصوة أن قوله تعالى ﴿هذا وإن﴾ بمنزلة " أما بعد " والله أعلم