للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَيْضًا، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَقَدَّمَ لَهُ بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا قَحَطُوا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّرْجَمَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لِبَيَانِ مَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَفْعَلُوهُ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَالثَّانِيَةَ لِبَيَانِ مَا عَلَى الْإِمَامِ مِنْ إِجَابَةِ سُؤَالِهِمْ.

١٣ - بَاب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ

١٠٢٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، وَالْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ. فَقَرَأَ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ، فقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: ظَاهِرُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَنْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الِاسْتِبْدَادِ بِالِاسْتِسْقَاءِ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مُطَابَقَةَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلتَّرْجَمَةِ، لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ إِنَّمَا وَقَعَ عَقِبَ دُعَاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِمْ بِالْقَحْطِ، ثُمَّ سُئِلَ أَنْ يَدْعُوَ بِرَفْعِ ذَلِكَ فَفَعَلَ، فَنَظِيرُهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الَّذِي دَعَا عَلَى الْكُفَّارِ بِالْجَدْبِ فَأُجِيبَ، فَجَاءَهُ الْكُفَّارُ يَسْأَلُونَهُ الدُّعَاءَ بِالسُّقْيَا. انْتَهَى.

وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ أَعَمُّ مِنَ الْحَدِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ مُطَابِقَةٌ لِمَا وَرَدَتْ فِيهِ، وَيَلْحَقُ بِهَا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ، إِذْ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إِذَا اسْتَشْفَعُوا بِسَبَبِ دُعَائِهِ أَوْ بِابْتِلَاءِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا ظُهُورُ الْخُضُوعِ مِنْهُمْ وَالذِّلَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْتِمَاسِهِمْ مِنْهُمُ الدُّعَاءَ لَهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ مَطَالِبِ الشَّرْعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَذْفِ الْمُصَنِّفِ جَوَابَ إِذَا مِنَ التَّرْجَمَةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فِي الْجَوَابِ مَثَلًا: أَجَابَهُمْ مُطْلَقًا، أَوْ أَجَابَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَصْلًا. وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَعَلَّهُ حَذَفَ جَوَابَ إِذَا لِوُجُودِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا رَجَا إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ رُجُوعَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ أَوْ وُجُودَ نَفْعٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ شُرِعَ دُعَاؤُهُ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ) سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الرُّومِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِهِ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ فَقَالَ: يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا فَفَزِعْنَا فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا) سَيَأْتِي فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ إِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَا قَالَهُ الْقَاصُّ الْمَذْكُورُ، وَسَنَذْكُرُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ مَا وَقَعَ لَنَا فِي تَسْمِيَةِ الْقَاصِّ الْمَذْكُورِ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ مَعَ بَقِيَّةِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَقْتَصِرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً.

قَوْلُهُ: (فَدَعَا عَلَيْهِمْ) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الِاسْتِسْقَاءِ صِفَةُ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ سَبْعًا كَسَبْعِ يُوسُفَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُكَ، أَوْ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ. وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ