للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَوَاسِيرُ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ سَأَلْتُ عَنْ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.

(تَنْبِيهٌ): قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَعَلَّ هَذَا الْكَلَامَ كَانَ جَوَابَ فُتْيَا اسْتَفْتَاهَا عِمْرَانُ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ عِلَّةُ الْبَوَاسِيرِ بِمَانِعَةٍ مِنَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْأَذَى اهـ. وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حُكْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْمَرِيضُ إِلَى الْقُعُودِ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَقَدْ حَكَاهُ عِيَاضٌ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَمُ بَلْ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِالْقِيَامِ، أَوْ خَوْفُ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، أَوِ الْهَلَاكِ، وَلَا يُكْتَفَى بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ. وَمِنَ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ دَوَرَانُ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَخَوْفُ الْغَرَقِ لَوْ صَلَّى قَائِمًا فِيهَا، وَهَلْ يُعَدُّ فِي عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ مَنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْجِهَادِ وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لَرَآهُ الْعَدُوُّ فَتَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ، لَكِنْ يَقْضِي (١) لِكَوْنِهِ عُذْرًا نَادِرًا.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَسَاوِي عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الِانْتِقَالِ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَيَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ يُصَلِّي قَائِمًا، فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ فَجَالِسًا، فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ صَلَّى نَائِمًا الْحَدِيثَ، فَاعْتُبِرَ فِي الْحَالَيْنِ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى جَنْبٍ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنْبِ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَالَةَ (٢) الِاسْتِلْقَاءِ تَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْمَرِيضُ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِلْقَاءِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ ثُمَّ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَلَى اللِّسَانِ ثُمَّ عَلَى الْقَلْبِ لِكَوْنِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ وَجَعَلُوا مَنَاطَ الصَّلَاةِ حُصُولَ الْعَقْلِ، فَحَيْثُ كَانَ حَاضِرُ الْعَقْلِ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ التَّكْلِيفِ بِهَا فَيَأْتِي بِمَا يَسْتَطِيعُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ أَمْرٌ بِالْإِتْيَانِ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ، وَالْقُعُودُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْقِيَامِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّا لَا نَقُولُ: إِنَّ الْآتِيَ بِالْقُعُودِ آتٍ بِمَا اسْتَطَاعَهُ مِنَ الْقِيَامِ مَثَلًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: يَكُونُ آتِيًا بِمَا اسْتَطَاعَهُ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ أَنْوَاعٌ لِجِنْسِ الصَّلَاةِ بَعْضُهَا أَدْنَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنِ الْأَعْلَى وَأَتَى بِالْأَدْنَى كَانَ آتِيًا بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الصَّلَاةِ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ فَرْعٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ بِهَا وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

(فَائِدَةٌ): قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: اتَّفَقَ لِبَعْضِ شُيُوخِنَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي النَّقْلِ كَثِيرٌ فِي الْوُقُوعِ، وَهُوَ أَنْ يَعْجَزَ الْمَرِيضُ عَنِ التَّذَكُّرِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يُلَقِّنُهُ فَكَانَ يَقُولُ: أَحْرِمْ بِالصَّلَاةِ، قُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ، اقْرَأِ الْفَاتِحَةَ، قُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ لِلرُّكُوعِ إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، يُلَقِّنُهُ ذَلِكَ تَلْقِينًا وَهُوَ يَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَقُولُ لَهُ بِالنُّطْقِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ ﵀.

٢٠ - بَاب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ، أَوْ وَجَدَ خِفَّةً، تَمَّمَ مَا بَقِيَ

وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا


(١) والصواب من حيث الدليل عدم القضاء، لأن عذره أولى من عذر المريض. والله أعلم
(٢) وكذا وقع في حديث عمران عند النسائي