للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزِّيَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَنْقُصُ عَنِ الْعَشْرِ، وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ فِي أَصْلِ السُّؤَالِ بِأَنَّ الزَّمَانَ كَانَ قَابِلًا لِلنَّسْخِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ خَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ خَبَرٌ، وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَلَيْسَ هُوَ كَقَوْلِهِ مَثَلًا لَهُمْ: صُومُوا الدَّهْرَ أَبَدًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ.

وَقَدْ فَتَحَ الْبَارِي بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى: أَحَدِهَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ، بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ، وَيُومِئُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ. فَمَنَعَهُمْ مِنَ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنَ اشْتِرَاطِهِ، وَأُمِنَ مَعَ إِذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنَ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ. ثَانِيهَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ؛ بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ قِيَامُ هَذَا الشَّهْرِ، فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ. وَأَقْوَى هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ - فِي نَظَرِي - الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ - غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ - نَدْبُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَلَاسِيَّمَا فِي رَمَضَانَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الْخَشْيَةَ الْمَذْكُورَةَ أُمِنَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ جَوَازُ الْفِرَارِ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، قَالَهُ الْمُهَلَّبُ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا اعْتَادَهُ أَتْبَاعُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ عُذْرَهُ وَحُكْمَهُ وَالْحِكْمَةَ فِيهِ، وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا قَلَّ مِنْهَا وَالشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ، وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ، وَتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ نَظَرٌ (١) لِأَنَّ نَفْيَ النِّيَّةِ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالظَّنِّ، وَفِيهِ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلنَّوَافِلِ إِذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً.

٦ - بَاب قِيَامِ النَّبِيِّ ﷺ اللَّيْلَ

وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، وَالْفُطُورُ: الشُّقُوقُ، ﴿انْفَطَرَتْ﴾: انْشَقَّتْ.

١١٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ ﵁ يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَيَقُومُ - أو لِيُصَلِّيَ: حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟.

[الحديث ١١٣٠ - طرفاه في: ٤٨٣٦، ٦٤٧١]

قَوْلُهُ: (بَابُ قِيَامِ النَّبِيِّ ﷺ اللَّيْلَ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْهُ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ. وَلِلْبَاقِينَ: قِيَامُ اللَّيْلِ لِلنَّبِيِّ ﷺ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ يَقُومُ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَفَطَّرَ) بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: تَتْفَطَّرُ بِمُثَنَّاتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ) كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ.

قَوْلُهُ: (انْفَطَرَتْ: انْشَقَّتْ) هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مَوْصُولًا، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ:


(١) هذا النظر ليس يجيد، والصواب جواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة عملا بظاهر هذا الحديث، وبحديث ابن عباس حين صلى النبي ﷺ في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة، ولأحاديث أخر وردت في هذا الباب. ولا فرق بين الفريضة والنافلة لأن الأصل التسوية بينهما في الأحكام إلا ما خصه الدليل، ولا مخصص هنا فيما أعلم. والله أعلم.