للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَلْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَرَمِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: يَجُوزُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، فَإِنَّهُ مُسَاوٍ لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أوْ فَاضِلًا، أَوْ مَفْضُولًا. وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ، بِخِلَافِ الْمُسَاوَاةِ. انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَثْبَتُ، وَمَثَلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ.

وَفِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا، وَعَلَى ذَلِكَ يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَطَاءً إِمَامٌ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَفَعَهُ: الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ. قَالَ الْبَزَّارُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. فَوَضَّحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَفْضِيلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى تَأْوِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ عَنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ أَلْفِ صَلَاةٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَفْظُ دُونِ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِتِسْعِمِائَةٍ وَتِسْعٍ وَتِسْعِينَ صَلَاةً، وَحَسْبُكَ بِقَوْلٍ يُئَوَّلُ إِلَى هَذَا ضَعْفًا.

قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَحْفُوظَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ: صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا مَسْجِدَ الرَّسُولِ، فَإِنَّمَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ، وَعَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَقُولُ: صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيهِ. وَيُشِيرُ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.

وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا، وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي آخِرِهِ: إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِمِائَةِ صَلَاةٍ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ تُشَرَّفُ بِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا تَكُونُ الْعِبَادَةُ فِيهِ مَرْجُوحَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ مَعَ قَوْلِهِ: مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْخَبَرِ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ، وَلَا يُقَاوِمُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي فَضْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ