للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ: اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا. وَأَوْ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ: اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا، فَإِنِ احْتَجْنَ إِلَى زِيَادَةٍ فَخَمْسًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيتَارَ مَطْلُوبٌ، وَالثَّلَاثُ مُسْتَحَبَّةٌ، فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ مَا فَوْقَهَا، وَإِلَّا زِيدَ وِتْرًا، حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ، وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عَامَّةٌ لِلْبَدَنِ. انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَ بَحْثُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي قَوْلِهِ: أَوْ خَمْسًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الْإِيتَارُ، لِأَنَّهُ نَقَلَهُنَّ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْخَمْسِ وَسَكَتَ عَنِ الْأَرْبَعِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤَنَّثِ. فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا. وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ سَبْعًا التَّعْبِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَأَمَّا مَا سِوَاهَا فَإِمَّا أَوْ سَبْعًا، وَإِمَّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّبْعِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، فَكَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى السَّبْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِمُجَاوَزَةِ السَّبْعِ، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ثَلَاثًا، وَإِلَّا فَخَمْسًا، وَإِلَّا فَأَكْثَرَ، قَالَ: فَرَأَيْنَا أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَبْعٌ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الزِّيَادَةُ عَلَى السَّبْعِ سَرَفٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَسَدَ الْمَيِّتِ يَسْتَرْخِي بِالْمَاءِ، فَلَا أُحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ) مَعْنَاهُ التَّفْوِيضُ إِلَى اجْتِهَادِهِنَّ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لَا التَّشَهِّي. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّمَا فَوَّضَ الرَّأْيَ إِلَيْهِنَّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْإِيتَارُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَفْعَلْنَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْإِنْقَاءُ يَكْفِي.

قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ إِذَا لَمْ يَسْلُبِ الْمَاءُ الْإِطْلَاقَ. انْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِلتَّطْهِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي؛ أَيِ اللَّفْظَتَيْنِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَيَصْدُقُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَجَزَمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَظَاهِرُهُ جَعْلُ الْكَافُورِ فِي الْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: إِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْحَنُوطِ؛ أَيْ بَعْدَ انتْهَاءِ الْغُسْلِ وَالتَّجْفِيفِ، قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي الْكَافُورِ مَعَ كَوْنِهِ بطيب رَائِحَةَ الْمَوْضِعِ لِأَجْلِ مَنْ يَحْضُرُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّةَ نُفُوذٍ، وَخَاصِّيَّةً فِي تَصْلِيبِ بَدَنِ الْمَيِّتِ، وَطَرْدَ الْهَوَامِّ عَنْهُ، وَرَدْعَ مَا يَتَحَلَّلُ مِنَ الْفَضَلَاتِ، وَمَنْعَ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَقْوَى الْأَرَايِيحِ الطَّيِّبَةِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي جَعْلِهِ فِي الْأَخِيرَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْأُولَى مَثَلًا لَأَذْهَبَهُ الْمَاءُ، وَهَلْ يَقُومُ الْمِسْكُ مَثَلًا مَقَامَ الْكَافُورِ؟ إِنْ نُظِرَ إِلَى مُجَرَّدِ التَّطَيُّبِ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُقَالُ: إِذَا عُدِمَ الْكَافُورُ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَلَوْ بِخَاصِّيَّةٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي)؛ أَيْ أَعْلِمْنَنِي.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا فَرَغْنَا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْحَاضِرِ، وَلَلْأَصِيلِيِّ: فَلَمَّا فَرَغْنَ بِصِيغَةِ الْغَائِبِ.

قَوْلُهُ: (حَقْوَهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ - بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِزَارُ كَمَا وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْحَقْوُ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْإِزَارِ مَجَازًا، وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ: فَنَزَعَ مِنْ حَقْوِهِ إِزَارَهُ. وَالْحَقْوُ فِي هَذَا عَلَى حَقِيقَتِهِ.

قَوْلُهُ: (أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ)؛ أَيِ اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا؛ أَيِ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صِفَتِهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ، قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ الْإِزَارِ مَعَهُ إِلَى أَنْ يَفْرُغْنَ مِنَ الْغُسْلِ، وَلَمْ يُنَاوِلْهُنَّ إِيَّاهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْ جَسَدِهِ الْكَرِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ انْتِقَالِهِ مِنْ جَسَدِهِ إِلَى جَسَدِهَا فَاصِلٌ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّبَرُّكِ