للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصِدُ، إِذِ الِاتِّبَاعُ إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدَةً أَوِ الدَّفْنِ مُنْفَرِدًا، أَوِ الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَرَاعَةِ الْمُصَنِّفِ وَدِقَّةِ فَهْمِهِ وَسِعَةِ عِلْمِهِ.

وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَا مُحَصِّلُهُ: مُرَادُ التَّرْجَمَةِ إِثباتُ الْأَجْرِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، لَا تَعْيِينَ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا قَسِيمَ الْوَاجِبِ، وَأَجْمَلَ لَفْظَ الِاتِّبَاعِ تَبَعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ، لِأَنَّ الْقِيرَاطَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنِ اتَّبَعَ وَصَلَّى، أَوِ اتَّبَعَ وَشَيَّعَ وَحَضَرَ الدَّفْنَ، لَا لِمَنِ اتَّبَعَ مَثَلًا وَشَيَّعَ ثُمَّ انْصَرَفَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ الْحُجَّةِ لِذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِأَحَدِ مَقْصُودَيْنِ: إِمَّا الصَّلَاةَ وَإِمَّا الدَّفْنَ، فَإِذَا تَجَرَّدَتِ الْوَسِيلَةُ عَنِ الْمَقْصِدِ لَمْ يَحْصُلِ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى أَنْ يَحْصُلَ لِفَاعِلِ ذَلِكَ فَضْلُ مَا بِحَسَبِ نِيَّتِهِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ النَّوَافِلِ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ) وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بِلَفْظِ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَضَيْتُمْ مَا عَلَي كُمْ، فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِهَا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، لَكِنْ بِلَفْظِ: إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ. وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَمَعْنَاهُ فَقَدْ قَضَيْتَ حَقَّ الْمَيِّتِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الِاتِّبَاعَ فَلَكَ زِيَادَةُ أَجْرٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ: مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ إِذْنًا وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ) لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا عَنْهُ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ اسْتِعَارَةٌ بِأَنَّ الِاتِّبَاعَ إِنَّمَا هُوَ لِمَحْضِ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى قَضَاءِ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ لِيَتَوَقَّفَ الِانْصِرَافُ قَبْلَهُ عَلَى الْإِذْنِ مِنْهُمْ.

قُلْتُ: وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمِيرَانِ وَلَيْسَا بِأَمِيرَيْنِ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الْجِنَازَةِ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ وَلِيَّهَا، الْحَدِيثَ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِثْلَهُ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ مِنْ فِعْلِهِ أَيْضًا، وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَحَمَلَ مِنْ عُلْوِهَا، وَحَثَا فِي قَبْرِهَا، وَقَعَدَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ رَجَعَ بِقِيرَاطَيْنِ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَالَّذِي عَلَيْهِ مُعْظَمُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ.

قَوْلُهُ: (حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ: حُدِّثَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ نَافِعٍ عَلَى تَسْمِيَةِ مَنْ حَدَّثَ ابْنَ عُمَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعِهِ فِي تَرْجَمَةِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ (١) وَفِي نُسْخَةٍ سَمِعَهُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا، وَوَقَفْتُ عَلَى تَسْمِيَةِ مَنْ حَدَّثَ ابْنَ عُمَرَ بِذَلِكَ صَرِيحًا فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ خَبَّابٌ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ، الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ، وَهُوَ أَبُو السَّائِبِ الْمَدَنِيُّ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ، قِيلَ: إِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَلَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَالثَّانِي: فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَذَكَرْتُ


(١) وفي نسخة "سمعه منه"