للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّبِيَّ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، وَعَنِ التُّسْتَرِيِّ، عَنْ شَيْبَانَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الْأَجْرِ. فَذَكَرَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمَنِ السِّيَاقُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ كَذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّيَاقَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْأَجْرِ. وَالْقِيرَاطُ بِكَسْرِ الْقَافِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصْلُهُ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ، لِأَنَّ جَمْعَهُ قَرَارِيطُ، فَأَبْدَلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءً، قَالَ: وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: الدَّانِقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقِيرَاطُ جُزْءًا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنَ الدِّرْهَمِ. وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ، وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَفِي الشَّامِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقِيرَاطُ نِصْفُ سُدُسِ دِرْهَمٍ، أَوْ نِصْفُ عُشْرِ دِينَارٍ. وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ إِلَى الْأَجْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَيِّتِ فِي تَجْهِيزِهِ وَغُسْلِهِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ قِيرَاطٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِمَنْ شَهِدَ الدَّفْنَ قِيرَاطٌ. وَذَكَرَ الْقِيرَاطَ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ يَعْرِفُ الْقِيرَاطَ وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ، وُعِدَ مِنْ جِنْسِ مَا يَعْرِفُ، وَضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِمَا يَعْلَمُ. انْتَهَى. وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ بِبَعِيدٍ، وَقَدْ رَوَى البَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَتَى جِنَازَةً فِي أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنِ انْتَظَرَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطٌ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطًا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ الْقَرَارِيطِ، وَلَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَسُهُولَتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: إِنَّمَا خَصَّ قِيرَاطَيِ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا الْمَقْصُودَيْنِ، بِخِلَافِ بَاقِي أَحْوَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهَا وَسَائِلُ، وَلَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ فِيهِ: إِنَّ لِمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا قِيرَاطَيْنِ. فَقَطْ، وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِمَنْ شَهِدَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُقَيْلٍ لِمَنْ بَاشَرَ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمَيِّتُ فَافْتَرَقَا، وَقَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْقِيرَاطِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ: فَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى الْقِيرَاطِ الْمُتَعَارَفِ، وَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفِ النِّسْبَةُ. فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ بَلَدًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ. قَالَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرَارِيطُ جَبَلٍ بِمَكَّةَ. وَمِنَ الْمُحْتَمَلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ: أُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. وَحَدِيثُ الْبَابِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.

وَقَدْ جَاءَ تَعْيِينُ مِقْدَارِ الْقِيرَاطِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مِثْلُ أُحُدٍ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِثْلُ قَرَارِيطِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلُ أُحُدٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْقِيرَاطِ فِي الْحَدِيثَيْنِ تَسَاوِيهِمَا، لِأَنَّ عَادَةَ الشَّارِعِ تَعْظِيمُ الْحَسَنَاتِ وَتَخْفِيفُ مُقَابِلِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَاضِي: الذَّرَّةُ جُزْءٌ مِنَ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ حَبَّةٍ، وَالْحَبَّةُ ثُلُثُ الْقِيرَاطِ، فَإِذَا كَانَتِ الذَّرَّةُ تُخْرِجُ مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ بِالْقِيرَاطِ؟ قَالَ: وَهَذَا قَدْرُ قِيرَاطِ الْحَسَنَاتِ، فَأَمَّا قِيرَاطُ السَّيِّئَاتِ فَلَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقِيرَاطُ فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عَمَلِ الْمُقْتَنَى لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيرَاطِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ جُزْءٌ