للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَشْهُورٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: جَاءَتِ الْأَخْبَارُ كَأَنَّهَا عِيَانٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَكَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً لَا يَصِحُّ. وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَارَضَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يَسْتَحْيِيَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ، يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِذَا طَالَتِ الْمُدَّةُ. قَالَ: وَكَأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ حِينَ عَلِمَ قُرْبَ أَجَلِهِ مُوَدِّعًا لَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ. انْتَهَى. وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُدَّةِ وَالتَّوْدِيعِ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا.

ثُمَّ إِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الْحَنَابِلَةِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (١) عَنْ أَحْمَدَ: الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ أَجْوَدُ، وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرٍ) كَذَا يَقُولُ اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ تَابَعَ اللَّيْثَ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ لَهُ رُؤْيَةٌ، فَحَدِيثُهُ مِنْ حَيْثُ السَّمَاعِ مُرْسَلٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، فَزَادَ فِيهِ جَابِرًا، وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي اخْتِيَارَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ صَاحِبُ حَدِيثٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ مَا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَلِيُّ بْنُ شِهَابٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ، رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْهُ، عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأُسَامَةُ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ أُسَامَةَ غَلِطَ فِي إِسْنَادِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ. وَابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ: عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَيُّهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) هُوَ مَضْبُوطٌ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ بِلَفْظِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَهَذِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى: وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِأَمْرِهِ.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا مَبَاحِثُ كَثِيرَةٌ يَأْتِي اسْتِيفَاؤُهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنَ الْمَغَازِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ جَوَازُ تَكْفِينِ الرَّجُلَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، إِمَّا بِجَمْعِهِمَا فِيهِ، وَإِمَّا بِقَطْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى جَوَازِ دَفْنِ اثْنَيْنِ فِي لَحْدٍ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ أَفْضَلِهِمَا لِدَاخِلِ اللَّحْدِ، وَعَلَى أَنَّ شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ لَا يُغَسَّلُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ الْمَذْكُورَةِ: لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْحَاكِمِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ. يَعْنِي حَمْزَةَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ - يَعْنِي عَنْ أُسَامَةَ - وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْمُوَافِقَةُ لِحَدِيثِ اللَّيْثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) هُوَ الْيَزَنِيُّ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ.

قَوْلُهُ: (صَلَاتَهُ) بِالنَّصْبِ؛ أَيْ مِثْلَ صَلَاتِهِ. زَادَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ: بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. وَزَادَ فِيهِ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .


(١) في نسخة: المروذي